تكثف المؤسسات المسؤولة عن تنظيم الصحافة والإعلام في مصر جهودها حاليًا، عبر تنظيم جلسات نقاشية موسعة مع مختلف الهيئات والشخصيات العامة والنقابات المهنية، بهدف وضع خطة واضحة لتطوير قطاع الإعلام في البلاد.
تأتي هذه الخطوة استجابةً لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع عُقد في 10 أغسطس الماضي، بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ورؤساء الهيئات الإعلامية، حيث أكد الرئيس أن الهدف الرئيسي هو تمكين الإعلام المصري من أداء دوره بفاعلية، ومواكبة التغيرات المتسارعة في المشهد العالمي.
وشدد الرئيس خلال الاجتماع على أهمية صياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير الإعلام، تتناسب مع التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع، وتُعزز من قدرة المؤسسات الإعلامية على التواصل مع الجمهور بوعي ومهنية. كما أكد التزام الدولة بحرية التعبير، وفتح المجال أمام مختلف الآراء الوطنية، بما يسهم في ترسيخ التعددية الفكرية ومبدأ “الرأي والرأي الآخر” كأحد أسس العمل الإعلامي.
وفي هذا السياق، لفت السيسي إلى ضرورة إتاحة الفرصة أمام الكوادر الشابة المؤهلة، باعتبارهم طرفًا فاعلًا في إنتاج المحتوى الإعلامي الحديث، مشيرًا إلى أن تطوير الإعلام لا ينبغي أن يقتصر على الخبرات التقليدية وحدها. كما دعا إلى إعداد برامج تدريبية وتثقيفية للعاملين في المجال، تتناول أحدث المهارات المهنية والتقنيات التكنولوجية، مع التركيز على مفاهيم الأمن القومي والانفتاح على التعددية.
من جانبها، بدأت الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام عقد جلسات حوارية ضمت كبار الصحفيين والإعلاميين وممثلي النقابات، للاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم حول أولويات التطوير.
تجدر الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهي جهة حكومية مصرية أنشئت بموجب القانون رقم 92 لسنة 2016 بشأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، تتولى إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة ومتابعة أدائها.
كما نظم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلسلة لقاءات مع رؤساء القنوات الفضائية وعدد من مقدمي البرامج الحوارية والسياسية، لبحث آليات تحسين المحتوى الإعلامي وتعزيز الالتزام بالمعايير المهنية.
ويُذكر أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المُنشأ بموجب القانون رقم 180 لسنة 2018، هو هيئة مستقلة تختص بالإشراف على الإعلام المرئي والمسموع والرقمي، إلى جانب الصحافة المطبوعة والإلكترونية.
نقيب الصحفيين يستعيد توصيات المؤتمر العام السادس
تأتي دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لوضع خارطة طريق لتطوير الإعلام المصري بعد سلسلة من المناشدات المتكررة من جانب نقابة الصحفيين وعدد من شيوخ المهنة، بشأن ضرورة إحياء دور الصحافة المصرية ورفع حالة الحصار والتقييد التي تعيشها المهنة منذ ما يقارب عقدًا من الزمن. فمنذ واقعة اقتحام نقابة الصحفيين عام 2016، والقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بتهمة نشر أخبار كاذبة، تصاعدت المطالبات بضرورة إعادة النظر في السياسات المنظمة لحرية الصحافة وفتح المجال العام أمام الممارسات المهنية المسؤولة.
وكانت آخر هذه الدعوات ما خرج به المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، الذي انعقد في ديسمبر الماضي، حيث شددت توصياته على أهمية استعادة الصحافة المصرية لبريقها، وضمان حق الصحفيين في العمل دون تضييق، إلى جانب مراجعة التشريعات المنظمة للمجال الإعلامي، وتوفير ضمانات حقيقية للاستقلال التحريري للمؤسسات الصحفية.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، أن إنقاذ مهنة الصحافة وتطوير الإعلام في مصر لم يعد رفاهية، بل أصبح مسؤولية جماعية تتطلب رؤية مشتركة بين الدولة والنقابة والمؤسسات الصحفية والمجتمع المدني. ويؤكد خلال حديثه لـــ “زاوية ثالثة” أن البداية الحقيقية لأي إصلاح تكمن في وضع ضمانات واضحة تكفل للصحفيين والإعلاميين حرية تناول الشأن العام والتعبير عن آرائهم دون قيود أو مخاوف، بما يمكّنهم من أداء دورهم الحقيقي في المجتمع ونقل قضايا المواطنين.
وأوضح البلشي أن المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، إلى جانب مطالب الجمعية العمومية، قدما «روشتة متكاملة» للخروج من المأزق الراهن، تقوم على أربعة محاور أساسية: الأولى المطالب العاجلة: على رأسها الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين وسجناء الرأي غير المتورطين في أعمال عنف، مع وضع ضمانات تمنع انضمام آخرين إلى قوائم الحبس الاحتياطي. كما تشمل إعادة الاعتبار للصحافة القومية عبر تجديد دمائها من خلال تعيين المؤقتين الذين يعملون منذ سنوات طويلة ولهم حقوق اقتصادية، وأوائل خريجي كليات الإعلام، إضافة إلى اعتماد كارنيه النقابة كتصريح وحيد للعمل الميداني، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية المحجوبة.
إلى جانب الإصلاح التشريعي: ويتمثل في إصدار قانون لحرية تداول المعلومات تنفيذًا لنص المادة 68 من الدستور، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، فضلًا عن تعديل التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام بما يرسّخ استقلال المؤسسات الصحفية ويزيل القيود التي تحد من حرية الرأي والتعبير. بالإضافة إلى الإجراءات الاقتصادية: حيث يرى نقيب الصحفيين أن الأزمة الاقتصادية الراهنة ضاعفت من أعباء المؤسسات الصحفية والصحفيين، ما يتطلب تدخلات عاجلة لدعم صناعة الصحافة. وتشمل هذه الإجراءات إقرار إعفاءات جمركية على مستلزمات الطباعة، وإسقاط الفوائد على مديونيات المؤسسات القومية، مع وضع لائحة عادلة للأجور تضمن حدًا أدنى كريمًا للصحفيين، وتسهيل تسوية الموقف التأميني لمئات الصحفيين المتعطلين -بحسب البلشي.
فضلًا عن ضرورة توسيع المجال العام: إذ يشدد البلشي على أن تطوير الإعلام لا يمكن أن يتحقق دون توسيع مساحات الحرية المتاحة للتعبير عن الرأي، ووقف التدخلات في العمل النقابي، وتحرير المجال العام بما يتيح للنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الحركة والعمل بحرية والتفاعل فيما بينها، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لأي حوار منتج أو تطوير حقيقي في المجال الإعلامي.
في ختام حديثه لـ”ازوية ثالثة” أكد نقيب الصحفيين أن حرية الصحافة ليست مطلبًا فئويًا يقتصر على العاملين بالمهنة، وإنما «طوق نجاة للمجتمع بأسره»، مضيفًا: «الإعلام الحر والصحافة الحرة سيظلان دائمًا على رأس الضمانات لأي انفتاح سياسي أو اجتماعي، وأساس بناء وطن أكثر رحابة يتسع للجميع».
لماذا تطوير الإعلام الآن؟
ضمن القيادات الصحفية التي شاركت في الجلسات النقاشية التي دعت إليها الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، حضر الكاتب الصحفي يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، الذي يعبّر في حديثه لـ”زاوية ثالثة” عن أمله في أن تمثل مبادرة تطوير الإعلام إرادة سياسية جادة لاستعادة دور الصحافة والإعلام كقوة ناعمة مؤثرة، محذرًا في الوقت ذاته من أن تتحول إلى مجرد “حالة تسلية”، وهو ما سيعني – بحسب تعبيره – إهدار فرصة تاريخية لإحياء دور الإعلام الوطني.
ويرى قلاش في حديثه لـ”زاوية ثالثة”: “أن غياب دور الصحافة والإعلام خلال السنوات الماضية أضر كثيرًا بالقضايا الوطنية الكبرى، وأضعف قدرة مصر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ويؤكد أن استعادة هذا الدور ليست ترفًا، بل ضرورة لحماية الأمن القومي وبناء وعي مجتمعي حقيقي”.
يشدد نقيب الصحفيين الأسبق على أن تطوير الإعلام لن يكون ممكنًا إلا إذا نُظر إلى الصحافة باعتبارها شريكًا في الحل، يحظى باحترام الدولة وبدعم تشريعي ومهني، مؤكدًا أن أي محاولة للتطوير دون معالجة أزمة الحرية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين لن تتعدى كونها “مسكنات مؤقتة” لا تعالج جوهر الأزمة.
ويدعو نقيب الصحفيين الأسبق، إلى استدعاء نتائج وتوصيات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، الذي وصفه بأنه ناقش بعمق أزمات المهنة بمشاركة واسعة من الصحفيين والإعلاميين والخبراء، مشيرًا إلى أن مثل هذه المؤتمرات – منذ أول مؤتمر عام 1964 وحتى الأخير – أسهمت في صياغة سياسات وتشريعات كان لها أثر مباشر على مستقبل الصحافة المصرية، وبعض توصياتها انعكست حتى في صياغة الدستور الأخير.
في السياق يرى الدكتور كارم محمود السكرتير العام الأسبق لنقابة الصحفيين وأستاذ كلية الإعلام في حديثه لـــ”زاوية ثالثة”، أن الدعوة لتطوير الإعلام تفرض نفسها الآن لعاملين رئيسيين: الأول؛ الظروف الإقليمية والدولية، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية الضاغطة، تجعل بعض أطراف السلطة تبحث عن مخرج حقيقي للأزمة، ولا سبيل لذلك إلا برفع القبضة الخانقة على المجتمع، بما يضمن اصطفافًا وطنيًا واسعًا خلف الدولة، باعتبارها كيانًا جامعًا يتجاوز الحكومات والأنظمة.
أما العامل الثاني، فهي الضغوط التي تعرض لها المواطنون خلال السنوات الماضية وصلت إلى درجة الغليان، وباتوا على شفا الانفجار. “إما أن يحدث التنفيس عبر رفع غطاء حلة الضغط، أو أن ينفجر الوضع بأكمله، وهذا ما قد يدركه بعض الأجنحة داخل السلطة” -بحسب السكرتير العام الأسبق.
وتمنى أستاذ كلية الإعلام ألا يكون الحديث عن تطوير الإعلام مجرد تكرار أو مناورة لكسب الوقت، كما حدث مع الحوار الوطني وأن يأخذ نفس مساره ويدخل نفس النفق، بل أن يكون مسارًا جادًا لتغيير حقيقي.
روشتة عاجلة للتطوير
تواصلنا مع عدد من القيادات الصحافية، كما رصدنا بعض المطالب والإجراءات المقترحة، والتي جميعها تصب في نطاق واحد، وهو إعداد روشتة متكاملة لتطوير الصحافة والإعلام في مصر. وتشمل هذه الرؤية جوانب عدة، من بينها تعزيز حرية الصحافة، تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين، تطوير المحتوى الإعلامي، دعم المؤسسات القومية والخاصة، ومواكبة التحولات الرقمية والتكنولوجية الحديثة، بما يضمن إعلامًا مهنيًا مؤثرًا ومستدامًا.
وخلال إعداد هذه الروشتة، تواصلنا مع المهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والدكتور أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، لمناقشتهما حول واقع خطة التطوير التي تسعى السلطات المصرية لتنفيذها، والاستفسار عن وجود ميزانية مخصصة لهذه الخطة والإجراءات العملية المتوقعة لتنفيذها، إلا أننا لم نتلق أي رد حتى تاريخ كتابة ونشر هذا التقرير.
يرى كارم محمود أستاذ كلية الإعلام، أنه لا يمكن أن يتطور أو يزدهر الإعلام في بيئة مغلقة بلا حرية رأي، وبلا مجال عام مفتوح، وبلا قانون يضمن حق تداول المعلومات. ويضيف محمود أن الإعلام “يتنفس حرية وأن أي محاولة لتطوير المحتوى الإعلامي لن تكون ذات جدوى في ظل غياب الضمانات التشريعية والبيئة السياسية الداعمة لحرية الرأي والتعبير وتعدد الأصوات.”
ويشير في حديثه لــ”زاوية ثالثة” إلى أن غياب هذه الحرية يدفع الأصوات الوطنية والمعارضة إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من أن تجد منبرها الطبيعي في الإعلام العام، الذي يفترض أن يكون معبرًا عن المجتمع ومؤثرًا فيه.
وينتقد أستاذ الإعلام واقع المشهد الحالي، قائلاً إن “الصحافة والإعلام في مصر، سواء الرسمي أو الخاص أو الحزبي، يتحرك في مسارات محددة سلفًا، وتحت مراقبة مستمرة، حتى باتت العناوين متشابهة في الصحف والبرامج التلفزيونية، بينما يبحث المواطن عن التنوع واختلاف وجهات النظر”. ويضيف: “الإعلام المصري يتحدث في كل شيء عدا القضايا الحقيقية التي تمس حياة المواطن، ويتجنب الاشتباك مع القضايا المؤثرة”.
ويشدد محمود على أن “الروشتة واضحة وضوح الشمس”، وتتضمن ثلاث خطوات أساسية: إفساح المجال العام، إطلاق حرية الرأي والتعبير، إقرار قانون لحرية تداول المعلومات. مشيرًا إلى أنه : “إذا تحقق ذلك، فإن الإعلام كفيل بأن يطور نفسه بنفسه، لأنه بطبيعته حي ومتجدد، ولن يحتاج إلى تدخلات فوقية”.
من جهته يؤكد يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق أن خطوات التطوير تبدأ بالاعتراف بأن الصحافة والإعلام لا يمكن أن يقوما بدورهما دون حرية حقيقية، مشيرًا إلى أن غياب هذه الحرية يهدد الصناعة ذاتها: “حينما تحول الإعلام إلى نشرات رسمية، انصرف عنه الجمهور وتراجعت المصداقية، ومعها تراجعت صناعة الإعلان والتوزيع بشكل حاد، وهو ما انعكس سلبًا على مستقبل المؤسسات الإعلامية”.
كما يوضح أن الرقابة غير الرسمية باتت تمثل اليوم أخطر التحديات التي تواجه الصحافة المصرية، مضيفًا: “لم تعد هناك رقابة واضحة برقيب رسمي يمكن التحاور معه، بل أصبح هناك تعدد في الخطوط الحمراء، من الوزير إلى رجل الأعمال، ما يخلق حالة من الارتباك تمنع الصحفي من معرفة حدود المسموح والممنوع”.
وتوقف قلاش أمام الأوضاع الاقتصادية المتردية للصحفيين، معتبرًا إياها “قنبلة موقوتة” في وجه أي محاولة إصلاحية. وأوضح أن “بدل التكنولوجيا”، الذي كان يفترض أن يكون إضافة، تحول إلى بديل عن المرتبات، لافتًا إلى أن دخول الصحفيين تراجعت من كونها مميزة قبل عقود إلى أن أصبحت “خارج التصنيف تمامًا”.
ويضيف نقيب الصحفيين الأسبق: “لا يمكن أن نتحدث عن تطوير صناعة الصحافة في ظل أحوال معيشية متدنية للصحفيين، فالكثير منهم يعجز عن الذهاب إلى مؤسسته لعدم امتلاكه أجرة المواصلات. كيف يمكن أن يقود هذا الصحفي عملية تطوير بينما هو عاجز عن تلبية أبسط احتياجاته؟”.
وختم قلاش تصريحاته بالتأكيد على أن تطوير الإعلام لا ينفصل عن إصلاح التشريعات المنظمة للمهنة، مشيرًا إلى أن الدستور المصري تضمن العديد من المبادئ الداعمة لحرية الصحافة – مثل إلغاء الحبس في قضايا النشر وحرية تداول المعلومات – لكن معظم هذه المبادئ لم تتحول إلى قوانين فعّالة.
إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والإعلام
المطالب نفسها شددت عليها الكاتبة الصحفية إيمان عوف عضو مجلس نقابة الصحفيين،إذ ترى في حديثها لــ”زاوية ثالثة” أن تطوير الإعلام يتطلب أيضًا إعادة صياغة العلاقة بين الدولة من ناحية، والصحافة والإعلام من ناحية أخرى، وذلك من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعاملين في المهنة. وتشير إلى ضرورة وضع جدول واضح لتطبيق الحد الأدنى للأجور داخل المؤسسات الصحفية، وزيادة بدل التكنولوجيا بما يتماشى مع الظروف الاقتصادية.
وفيما يخص حرية الصحافة، تشدد عوف على أن التصريحات الرسمية حول “قبول التنوع” و”إتاحة الأصوات المختلفة” لا تجد انعكاسًا على أرض الواقع، إذ ما زال هناك 23 صحفيًا رهن الحبس، بينهم 16 محبوسون احتياطيًا. وقالت: “إثبات حسن النوايا يبدأ بالإفراج عن الزملاء المحبوسين، ويجب أن يتم ذلك بالتنسيق مع نقابة الصحفيين”.
كما تدعو عضو مجلس النقابة إلى مراجعة التشريعات المقيدة للعمل الصحفي، وعلى رأسها القانون رقم 180 لسنة 2018 والمادة 12 الخاصة بالتصوير، التي وصفتها بأنها تعجيزية، فضلًا عن الإسراع بإصدار قانون حرية تداول المعلومات، وتفعيل الحماية القانونية للمصادر الصحفية. وأضافت: “لدينا قوانين جيدة على الورق، لكن التطبيق يعاني خللًا كبيرًا، وهناك مخالفات واضحة، مثل استمرار الحبس في قضايا النشر، رغم النص الدستوري الذي يحظر ذلك”.
في السياق يشير حسين الزناتي وكيل أول نقابة الصحفيين ورئيس تحرير مجلة “علاء الدين”، وأحد الذين شاركوا في نقاشات تطوير المحتوى مع الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، إلى ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والإعلام، والانتقال بالصحافة من مرحلة “نقل البيانات” إلى ممارسة دورها الأساسي في التقصي والتحقيق والتعبير عن الرأي والرأي الآخر. مشددًا على ضرورة التنسيق المنتظم بين نقابة الصحفيين، الهيئة الوطنية للصحافة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لمواجهة مشكلات المهنة، مع تعزيز دور المجلس في دعم الصحف الخاصة والحزبية، وليس الاكتفاء بمنح التراخيص ومراجعة انتظامها.
كما يرى الزناتي أن هناك ضرورة لإجراء تعديل تشريعي يسمح للنقابة بجلب موارد جديدة ومستقلة، لتعزيز استقلاليتها المالية. بالإضافة إلى الدخول في حوار حقيقي بين النقابة والدولة لتوفير تطمينات في حال تعديل قانون النقابة، بما يحافظ على المكاسب الحالية ويواكب المتغيرات في المهنة.
إشراك النقابة والشباب وتطوير المحتوى الرقمي
ترى الكاتبة الصحفية إيمان عوف، عضو مجلس نقابة الصحفيين، أن الحديث عن تطوير الإعلام والصحافة المصرية يظل منقوصًا ما لم يتحقق شرطان أساسيان.
أول هذه الشروط – بحسب عوف – أن تكون نقابة الصحفيين جزءًا أصيلًا من الحوار الدائر حول تطوير الصحافة والإعلام، باعتبارها الممثل الشرعي للصحفيين الذين ينتجون المحتوى الصحفي. وشددت على أن دور النقابة يجب أن يكون فاعلًا في تنظيم جلسات الحوار واختيار من يتحدث باسم المهنة، لأنها الأقدر على التعبير عن أوجاع الصحفيين وأزمات الإعلام.
أما الشرط الثاني، فيتمثل في إشراك جميع الأجيال في هذا الحوار، وعدم الاكتفاء بأهل الخبرة، مؤكدة أن الشباب الممارسين للعمل الصحفي والإعلامي هم المنتجون الفعليون للمحتوى اليومي، وبالتالي لا يمكن إقصاؤهم من أي رؤية للتطوير.
في السياق، قدّم الكاتب الصحفي حسين الزناتي، وكيل أول نقابة الصحفيين ورئيس تحرير مجلة “علاء الدين”، ورقة عمل إلى الهيئة الوطنية للصحافة بعنوان: “رؤية لتطوير المحتوى الإعلامي والصحفي في مصر: نحو إعلام مؤثر ومستدام”.
ويرى الزناتي في حديثه لــ”زاوية ثالثة” أن تطوير المحتوى الإعلامي يبدأ بتطوير صانع المحتوى نفسه، عبر التدريب المستمر لكل الأجيال، وليس فقط للمبتدئين، إلى جانب توفير بيئة عمل حرة ومحترفة، مشددًا على أن الرسالة الإعلامية لا تتحقق إلا إذا أثرت فعليًا في المتلقي.
كما تحدث عن أهمية فصل العمل التحريري عن الإدارات التجارية، وتطوير آليات تسويق المحتوى الرقمي، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للصحافة المتخصصة كرافد مهم لاستعادة الجمهور وتحقيق التأثير.
ويؤكد الزناتي على أن تطوير المحتوى لا يقتصر على المحتوى نفسه، بل يشمل أيضًا تعزيز أداء الإدارات المساعدة للعمل الصحفي مثل إدارات الإعلانات والتوزيع والمعارض والمؤتمرات، لضمان الاستدامة المالية للمؤسسات الإعلامية.
استمرار الحوار وحماية المحتوى الصحفي
استجابة لدعوة الرئيس المصري، دعا نقيب الصحفيين خالد البلشي، لمناقشة وضع خارطة طريق لتطوير الصحافة والإعلام وسبل تحسين أوضاع الصحفيين، في لقاء عقد داخل نقابة الصحفيين الإثنين 8 سبتمبر، مع رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية وعددًا من الصحفيين والصحفيات.
وخلال اللقاء أكد الدكتور طارق سعدة، نقيب الإعلاميين، أن الإعلام المصري يشهد تداخلات عصرية ورقمية كبيرة تشكّل تحديات حقيقية أمام المهنة، مشيرًا إلى أن حال الإعلام أصبح صعبًا في الوقت الذي يتحتم عليه اللحاق بركب التطور الرقمي.
وثمّن سعدة التوجيهات الرئاسية الخاصة بوضع خارطة طريق لتطوير الإعلام المصري وإعادته إلى مكانته المستحقة، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل دعمًا مباشرًا للقطاع في مواجهة أزماته. وشدد على أن عقد اللقاءات والحوارات التي تشارك فيها الجهات والمؤسسات المعنية، إلى جانب الخبراء والأكاديميين، هو الضامن الحقيقي لصياغة رؤية استراتيجية قادرة على إحداث طفرة إيجابية في منظومة الإعلام. وأشار إلى ضرورة أن تراعي خطة التطوير تضمين القيم الدينية والتربوية والاجتماعية الأصيلة التي تشكّل جزءًا من فطرة المجتمع المصري- على حد قوله.
من جهته أكد الكاتب الصحفي علاء الغطريفي، رئيس تحرير جريدة «المصري اليوم»، على أهمية تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لتصبح صوتًا موحدًا في المفاوضات مع عمالقة الإنترنت مثل «جوجل»، لضمان حصول الصحف على مقابل مادي مقابل إتاحة المحتوى الصحفي على تلك المنصات.
وأشار الغطريفي، خلال كلمته في مؤتمر وضع خارطة تطوير المهنة بنقابة الصحفيين إلى ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الصحافة المصرية والعالمية وهم؛ تطوير المحتوى والمنافسة، مواكبة التغيرات التكنولوجية المتسارعة، تداعي نماذج الأعمال التقليدية واحتكار التكنولوجيا وسوق الإعلانات.
واقترح الغطريفي إنشاء مظلة مشتركة بين النقابة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لمعالجة قضية تراخيص المحتوى الصحفي المستخدم من قبل شركات الإنترنت العملاقة عالميًا.
كما شدد على أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتطوير الإعلام تمثل فرصة إيجابية يجب البناء عليها، موضحًا أهمية إيجاد نموذج عمل مستدام يعتمد على مصادر إيرادات متنوعة، مع قيادة النسخة الرقمية لوسائط المحتوى، والحفاظ على مؤسسات الخدمة العامة مثل الصحف القومية وماسبيرو، كونها ملكًا للشعب، مع الالتزام بالتطوير والمواكبة.
انطلق قطار جلسات تطوير الإعلام والصحافة في مصر حاملاً معه مطالبات وتوصيات محورية، تتصدرها ملفات الحريات وحقوق الصحفيين، إلى جانب تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعاملين بالمهنة. ومع ذلك، يظل هناك تخوف من أن يسير هذا القطار نحو نفس المحطة التي انتهى عندها الحوار الوطني، وسط إرث ثقيل من التشريعات المقيدة وتدهور واقع المؤسسات الإعلامية. وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الصحافة والإعلام المصري من استعادة رونقهما ودورهما الفعّال كقوة وطنية مؤثرة، قادرة على تقديم محتوى مهني حر ومؤثر يواكب العصر ويتناول هموم المجتمع والمواطن؟