منذ أواخر ديسمبر عام 2020، تعيش رباب الشرقاوي، المقيمة مع بناتها الثلاثة، في منطقة قراقص، بمحافظة البحيرة، معاناة إنسانية مستمرة، بعد إجبارها إلى جانب مئات المواطنين على إخلاء منازلهم، ورفض توفير منازل بديلة لهم.
قبل ٥ سنوات، صدمت رباب، بصدور أمر من مجلس شرنوب، بإخلاء مساكنها بالإضافة إلى مناطق الزلزال ومدينة العرائس، بحجة أن المباني آيلة للسقوط، مع إعطائهم مهلة حتى منتصف يناير 2021، وهو الأمر الذي رفضه السكان، لعدم توفير مساكن بديلة لهم، لكن بانتهاء المهلة قُطعت المرافق عن السكان من مياه وغاز وكهرباء لإجبارهم على الخروج، ولم يُتركوا في الظلام وحسب بل اقتحم أشخاص العمارات السكنية وانتزعوا أنابيب المياه عنوة، لتغرق المساكن في مياه الشرب، واضطر السكان للهروب بعدما تلف أثاثهم، وحينها أرسل المسؤولون المحليون لهم شاحنات جمع القمامة التابعة لمجلس المدينة، لتقوم بنقل أمتعتهم.
لم تكن رباب، – وهي أم معيلة تعمل ممرضة-، تعرف إلى أين تذهب بهم، وسط برودة الشتاء، لكنها اضطرت للخروج مع غيرها من الأسر، ووُعدوا وقتئذٍ بتوفير مساكن بديلة خلال عامين، مع صرف 600 جنيه بدل إيجار شهريًا، حينها استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفة واحدة ومطبخ وحمام، نظير 1700 جنيه شهريًا، ونقلت إليها أثاثها التالف، غير أن صرف بدل الإيجار توقف بعد السنة الأولى، ليعيش الأهالي معاناة إنسانية، ولم تُجدِ الشكاوى التي قدمها المتضررون للمحافظة نفعًا، إذ تُحال مطالبهم من مجلس لآخر دون حلٍّ، فيما تبرر المحافظة تأخر توفير مساكن بديلة لهم بعدم توفر ميزانية، بحسب ما تروي رباب.
تؤكد أن السكان يعيشون في حالة من اليأس والتشرد، وأن محاولاتهم المتكررة لمقابلة المسؤولين فشلت، رغم تقديم طلبات رسمية وإرسال “فاكسات” موثقة إلى المحافظة ووزارة الإسكان، مشيرة إلى أن السكان دفعوا مقدم مالي لشراء شققهم، وسددوا أقساطًا شهرية على مدى أكثر من عشرين عامًا، وكان من المفترض أن يتملكونها بعد انقضاء مدة 25 عامًا، لكن الإخلاء تم قبل موعد التمليك بشهر فقط.
وتقول رباب لـ”زاوية ثالثة”: “منذ 24 عامًا، كانت الحكومة، تبني مساكن لمن لا يملكون مأوى، عبر مجلس شرنوب، وبيعت للسكان بمبلغ 5000 جنيه، مع دفع إيجار شهري، وكان من المفترض أن يمتلكها المشترون بعد 25 عامًا من التعاقد، لكن ملاكها باعوها بنظام العقود المتسلسلة، وفي عام 2008 اشتريت شقتي التي كانت ضمن مساكن الزلزال، بمبلغ 50 ألف جنيهًا، وذهبت إلى المجلس لتسوية المستحقات، فقالوا إن عليّ دفع 100 ألف جنيه، سددتها على أقساط، وعندما طالبت باستلام عقد التمليك النهائي، قالوا إن عليّ الانتظار حتى يسدد جميع سكان العمارة المبالغ المتبقية عليهم، وعندما اقترب موعد التسليم النهائي للجميع، أخرجونا”.
وتضيف: “كنا ندفع للمجلس أقساطًا شهرية تبلغ 56 جنيهًا، تحت مسمى ترميم وصيانة وإيجار، وعندما صدر قرار ترميم للمساكن، طلبوا منا في البداية 4000 جنيه من كل شقة نظير الترميم، ثم خفضوا قيمتها إلى 1500 جنيه، وبالفعل دفعنا المبلغ، لكنهم قطعوا عنا الغاز بحجة السلامة أثناء الترميم، وعقب مرور شهرين، وبعد جمع الأموال، أبلغونا بقرار الإخلاء”.
وتوضح الشرقاوي أن ما نُشر في وسائل الإعلام اقتصر على ثلاث عمارات فقط أُزيلت عام 2018، في حين أن عشرات العمارات الأخرى تم إخلاؤها لاحقًا دون أن يتم تسليط الضوء عليها، مشددة على أن مئات المواطنين من مناطق “الجبابين”، و”عزبة الكوم”، و”الزلزال” واجهوا ذات المصير، دون سكن بديل، مُبينة: “كنا نسكن في 18 عمارة، كل عمارة بها 24 شقة، بعض الشقق كانت شاغرة، لكن البقية يقطنها مئات المواطنين مع أسرهم.
وتتابع: “حصلنا على المبلغ المخصص لإيجار السكن البديل في السنة الأولى فقط، وفي السنة الثانية انقطع تمامًا، عندما نذهب إلى المحافظة للاحتجاج، يقولون لنا: “كنا نمنحكم معونة هذه أرض انتفاع، ملك للدولة”، مضيفة: “أنا امرأة مطلقة ولدي ثلاث بنات، منهن اثنتان توأم وواحدة في الصف الثالث الإعدادي، وهناك غيري من الأرامل والمرضى، وحين مرت سنة أخرى دون أن نحصل على أي شيء، قمنا بتنظيم ما يشبه المظاهرات، تزامنًا مع فترة الانتخابات، وأغلقنا الطريق، عندها، قرروا صرف 500 جنيه لنا، بعد أن كانت 600، وهذا المبلغ لا يُصرف بانتظام، بل كل ثلاثة أشهر نحصل على 1500 جنيه”.
وتٌبيّن أنها وغيرها من السكان طُردوا في عام 2021، وفي العام التالي انقطع عنهم بدل الإيجار، وفي السنة الثالثة وقعوا على عقود شقق بديلة لم يستلمونها، حتى الآن، وهذا العام قُطع عنهم بدل الإيجار، الأمر الذي دفعهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس قرية شرنوب، وقطع الطريق، لكنهم لم يجنوا شيئًا سوى مزيدًا من الوعود.
يؤكد محمد الطنطاوي، أحد المتضررين من إزالة مساكن قراقص في محافظة البحيرة، أن مئات الأسر كانوا يقيمون في هذه المساكن منذ نحو 25 عامًا، بعضها من متضرري الزلزال، وأخرى من مشروع مدينة العرائس، موضحًا أن السكان كانوا يستعدون لتسلُّم عقود التمليك في شهر يناير قبل أربع سنوات، إلا أنهم فوجئوا بقرار يُلزمهم بإخلاء المساكن دون أي مستندات تضمن حقوقهم، مُبينًا أن مجلس قرية شرنوب، التابع له المشروع، أخطرهم بأن المهلة النهائية للإخلاء هي نهاية ديسمبر، وأن من يرفض سيُخرج بالقوة، رغم أن السكان كانوا يدفعون إيجارًا شهريًا يتضمن رسومًا للترميم والصيانة، لكن لم تُجرَ أي أعمال صيانة طوال فترة سكنهم.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن موظفين تابعين لصندوق “تحيا مصر” زاروا المنطقة، قبل أكثر من أربع سنوات، لجمع بيانات السكان وسداد المديونيات المتأخرة، لكنهم سددوا ديون عدد محدود فقط من الأسر الفقيرة، بينما لم تُسوَّ أوضاع بقية السكان، وبعد الإخلاء، تم هدم المساكن بالكامل، مع وعود بأن تتولى مبادرة “حياة كريمة” إعادة بنائها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن”.
ويوضح محمد الذي فقد عمله كطاهٍ منذ جائحة كورونا، ويعيش مع أسرته أوضاعًا معيشية صعبة للغاية، أنه اضطر إلى استئجار غرفتين منفصلتين في طابقين مختلفين بسبب ضيق ذات اليد، مؤكدًا أن أن أغلب الأسر باتت مشردة، فبعضهم استأجر مساكن مؤقتة، وآخرون لجؤوا إلى منازل أقاربهم، بينما المحافظة صرفت لهم بدل إيجار شهري قدره 500 جنيه، لكنه يتوقف لعدة أشهر، وتُصرف 1500 جنيه لهم كل ثلاثة أشهر، وهو لا يكفي لتغطية إيجار مسكن بديل.
ويضيف الطنطاوي: “جميع السكان كانوا يمتلكون عقود تمليك زرقاء، ويدفعون أقساط شراء شهرية ضمن مشروع مدينة العرائس، وكانت عمليات البيع والشراء بيننا تتم بتوكيلات رسمية، إلا أن المحافظة اعتبرت لاحقًا أن هذه المساكن كانت بنظام حق الانتفاع فقط، وهذا ظلمًا بيّنًا، لأننا دفعنا ثمن الشقق بالفعل”.
ويوضح أن المساكن المزالة كانت بحالة إنشائية جيدة، تصلح للسكن لعشرين عامًا أخرى، وأن حديد التسليح المستخرج أثناء الهدم كان جديدًا ولم يصدأ، ما يدل على متانتها، متهمًا مجلس شرنوب بإهدار المال، بعد جمعها رسوم الترميم دون تنفيذه، مشيرًا إلى أن السكان حاولوا من قبل الشكوى للمحافظة، لكنها –بحسب قوله– استدعت قوات الأمن لفض تجمهرهم في الشارع، ثم صرفت لهم ثلاثة أشهر فقط من مستحقاتهم وأغلقت الملف.
ويؤكد الساكن المتضرر أن الأهالي يعيشون أوضاعًا إنسانية قاسية في ظل غياب أي جهة تدافع عن حقوقهم، داعيًا إلى إعادة النظر في أوضاع الأسر المتضررة، وصرف مستحقاتهم بشكل منتظم، أو توفير مساكن بديلة عادلة تضمن استقرارهم الأسري والمعيشي.
وتتقاطع شهادة رباب ومحمد مع ما يرويه مصطفى أحمد، أحد سكان قرية قراقص المتضررين من قرار إزالة المساكن،والذي يُبين المشكلة بدأت حين صدر قرار سابق بترميم العمارات، إذ كانت حالتها لا تستدعي الإزالة الكاملة، إلا أن المسؤولين المحليين قرروا هدمها بشكل مفاجئ، قبل أربع سنوات، مع وعود بتعويض السكان وتوفير بدائل سكنية، لكن هذه الوعود لم تُنفذ حتى اليوم، إذ لم يحصل الأهالي على بدل إيجار مناسب ولا على مساكن بديلة.
ويوضح لـ”زاوية ثالثة”، أن المحافظة كانت تصرف للأهالي 600 جنيه شهريًا بدل إيجار، ثم توقفت المبالغ تمامًا قبل أن تُخفض إلى 1500 جنيه كل ثلاثة أشهر، مشيرًا إلى أن كثيرين، ومن بينهم هو نفسه، قضوا أكثر من 13 شهرًا دون أن يتقاضوا أي مبالغ مالية، ولكن بعد مراجعات متكررة لمجلس المدينة ومقابلة المسؤول، تم إعادة إدراج أسمائهم في كشوف المستحقين، في حين أُبلغوا بأن المبالغ السابقة لن تُصرف.
ويشير مصطفى إلى أن السكان طالبوا باسترداد شققهم التي أُزيلت باعتبارها ملكًا لهم بنظام الإيجار التمليكي، غير أن الرد الرسمي كان أنه “لا توجد وحدات متاحة حاليًا”، في إشارة إلى غياب أي خطة واضحة لإعادة تسكينهم.
ويؤكد على أن المشكلة تتكرر بسبب غياب المساءلة وتبادل المسؤولية بين الجهات المحلية، مضيفًا أن “مجلس القرية يسلم المسؤولية لمن بعده، والجميع يتعامل بالمحسوبية، بينما يضيع حق المواطن البسيط في النهاية”.
وتواجه مئات الأسر في منطقة قراقص بمدينة دمنهور أزمة إنسانية حادة بعد إزالة مساكنهم القديمة التي أقاموا بها لأكثر من ربع قرن، ضمن خطة تطوير لم تُستكمل حتى الآن؛ فبينما كان السكان ينتظرون تسلّم عقود التمليك التي دفعوا أقساطها لسنوات، فوجئوا بقرارات إخلاء وهدم دون توفير بدائل سكنية أو تعويض عادل، ما أدى إلى تشريدهم بين الإيجار المؤقت والتسكين لدى الأقارب، ومع توقف صرف بدل الإيجار لفترات طويلة وتأخر تنفيذ مشروع “حياة كريمة” لإعادة البناء، يعيش الأهالي حالة من الضياع القانوني والاجتماعي وسط غياب واضح للمساءلة والشفافية في إدارة ملف التطوير.
نوصي للقراءة: “مدينة الأمل” تُبنى على أنقاض عزبة الهجانة

قرار ترميم لم يُنفّذ وإخلاء دون بديل
معاناة السكان المتضررين في قرقاص بالبحيرة، لم تبدأ منذ إخلاء المساكن وإزالتها، قبل 5 سنوات؛ إذ عانت القرية، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 30 ألف نسمة، حالة من الإهمال الشديد لسنوات، رغم قربها من مدينة دمنهور، إذ تعرضت لغرق مستمر في مياه الصرف الصحي وارتفاع منسوب المياه الجوفية الذي هدد بِناء البيوت بالانهيار، بحسب تقرير صحفي نُشر في عام 2016، بينما ذكر تقرير آخر في عام 2018، أن نحو 2000 مواطن، كانوا يعيشون في وحدات سكنية بمنطقة عزبة الكوم منذ ربع قرن، وسط مرافق متدهورة برك ومستنقعات من مياه المجاري، وعانوا من اختلاط مياه الصرف بمياه الشرب، ودفعوا مبالغ مالية، تقدر بـ 500 جنيه لكل وحدة، تحت مسمى ترميم أو دخول الصرف الصحي، إلا أن الأعمال لم تنفَّذ حتى الآن، حسب شهادات السكان، الذين اشتكوا وقتئذٍ من عدم وجود شبكة صرف صحي كاملة، الاعتماد على سيارات كسح مكلفة، وانتشار القمامة على نطاق واسع، الأمر الذي صعّب الحركة داخل القرية، وأدى لانتشار الحشرات وتفشي أمراض الجهاز الهضمي.
وكانت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أعلنت، في يونيو 2015، اعتماد الحيز العمراني لقرية قراقص بالوحدة المحلية شرنوب، في مركز دمنهور بمحافظة البحيرة، وذلك في إطار أعمال اللجنة الدائمة المشكلة بالقرار رقم (36) لسنة 1993 والمختصة بمراجعة واعتماد الأحوزة العمرانية لمدن وقرى الجمهورية والمعدل بالقرار الوزاري رقم (58) لسنة 2002 لدراسة ومراجعة مقترح الكردونات لمدن الجمهورية.
وفي فبراير 2018، شهدت عدد من الوحدات بالقرية (59 وحدة في 3 عمارات)، انهيارات جزئية في الأسقف والجدران، وقررت المهندسة نادية عبده، محافظة البحيرة وقتئذٍ، توفير مساكن بديلة خلال أسبوع بالإيجار على نفقة المحافظة بمدينة دمنهور لمدة عام قابل للتجديد لحين تدبير مساكن بديلة لسكان عدد 59 وحدة سكنية لعدد 3 عمارات إسكان شعبي بقرية قراقص مركز دمنهور آيلة للسقوط، أو تسليم من يرغب منهم شقق سكنية بديلة وجاهزة بمركز بدر، ولاحقًا صدر لتلك العمارات قرار هدم من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط، وطُرِحت وحدات بديلة لساكنيها في مركز بدر.
وفي سبتمبر عام 2021 وافق هشام آمنة، محافظ البحيرة السابق، على اعتمادات مالية لرفع كفاءة وصيانة 20 عمارة سكنية تضم 380 وحدة سكنية و20 محلاً في قرية قراقص، مركز دمنهور، بناءً على تقارير فنية تفيد بأن هذه المنشآت “آيلة للسقوط”، وشملت أعمال الصيانة، التي أقرها المحافظ، آنذاك، تركيب شبكة صرف صحي وربط الوحدات بها، معالجة الأعمدة والكمرات والأسقف، رفع مداخل العمارات والدور الأرضي، وإنجاز تغذية الداخليات، غير أن تعليمات المحافظ لم تُنفّذ، وتم إخلاء المساكن وإزالتها بحسب شهادات السكان.
وينص طلب مقدم من بعض أصحاب الشقق المتضررين، إلى مكتب خدمة المواطنين بمبنى محافظة البحيرة، يحمل الرقم الطلب 1978 في 28 يوليو 2022، – اطلعت عليه زاوية ثالثة -، على أنه في يوم 15 يناير 2021، تم طرد السكان بالقوة الجبرية من المساكن الخاصة بهم، والواقعة أقصى عزبة الكوم بمركز دمنهور في محافظة البحيرة، وتم ترهيبهم من قبل بلطجية وقطع الكهرباء والمياه وجميع المرافق الخاصة بهم، وقيام البلطجية بسرقة بعض الشقق التي لا يسكنها أحد، ثم تم الاتفاق معهم من قبل مجلس مدينة شرنوب بتسليم وحدات بديلة بدلاً عن المساكن التي تم هدمها وتم نقل عفش بعض الناس على سيارات القمامة الخاصة بالمجلس؛ وذلك مقابل عطاء أوامر وحدات سكنية أخرى، وكانت المدة عامين وفي خلال العامين سيتم صرف مبلغ كل شهر للإيجار البديل المؤقت وتم عمل فيزا للجميع للقبض كل شهر وكان المبلغ قدره 500 جنيه وكان الصرف لمدة سنة كاملة، وبعدها تم قطع هذا المبلغ لمدة سنة كاملة وبعدها طلب منهم مجلس شرنوب بعمل بحوث وتسليمها للمجلس وبعد ذلك تم صرف مبلغ 500 جنيه إلى عدد 68 فرد فقط لا غير.
وأضاف الطلب، تم التوجه إلى مجلس مدينة شبراخيت للتحدث مع رئيس مجلس المدينة أحمد فرغلي ووعدوا بإستلام شقق بديلة في أسرع وقت، وتم التوقيع على ذلك في شهر فبراير 2022، صرف مبلغ 500 جنيه لثلاث شهور على بعض بما يعادل 1500 جنيه ثم مرة لمدة سنة كاملة وبعدها تم التوجه إلى المجلس مرة أخرى، ولم يحصل مقدمو الطلب على أي إفادة، وتم التوجه إلى مبنى المحافظة لمقابلة أي مسؤول وعرض هذه المشكلة عليه ولكن لم يسمح لهم سوى بالجلوس مع سكرتير المحافظة ولم يعطيهم أي إفادة وتوجهوا إلى مجلس مدينة دمنهور، وتم تحويلهم إلى مجلس مدينة شرنوب وجاءهم الرد، بأن مشكلتكم على مجلس مدينة دمنهور و لا يوجد حل عندنا، وثم تم التوجه إلى مجلس مدينة دمنهور ومرة أخرى وطلبنا مقابلة رئيس المجلس أحمد بسيوني وكان الرد أنه غير موجود ومسافر خارج المحافظة ليكون موجود بعد 15 يوم بينما طلب منهم كامل عبد الله، مندوب الشؤون المالية مهلة 15 يوم لعرض هذه المشكلة إلى المسئولين.
نوصي للقراءة: سوهاج – محور دار السلام: من منازل العمر إلى أكواخ البوص

الحد الأدنى للسكن اللائق
من جانبه يرى الخبير العمراني، إبراهيم عز الدين، مدير السياسات في ديوان العمران ومؤسس الديوان، أن سياسات التطوير العمراني في مصر تفتقر إلى الوضوح، إذ لا تجيب الجهات المنفذة عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بعملية التخطيط، وعلى رأسها: “نخطط لمن؟”. مشيرًا إلى أن التطوير العمراني أو استبدال المباني المتهالكة ليس مشكلة في حد ذاته، لكن غياب الخطط المعلنة ومعايير اتخاذ القرار يخلق أزمات متكررة، مؤكدًا أن إخلاء السكان دون توفير بدائل سكنية فورية أو إشراكهم في القرار يُعد من السمات المتكررة لسياسات التنمية الحالية.
ويوضح عز الدين أن صندوق تطوير المناطق العشوائية اعتمد منذ عام 2008 منهجية واضحة لتحديد قرار الإزالة بناءً على “درجة الخطورة” وليس بناءً على شروخ موضعية أو انهيار جزء من سقف، لافتًا إلى أن الصندوق صنّف المناطق إلى: مناطق خطورة داهمة، وخطورة إنشائية على السكن، وخطورة صحية، وخطورة أمنية؛ إذ أن ظهور شروخ محدودة أو انهيار موضعي في مبنى لا يبرر هدم منطقة كاملة، بل يخضع لتقييم هندسي منفصل، وقد يُتخذ قرار بالترميم أو الإزالة الجزئية فقط.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “هدم مساكن صالحة للسكن بغرض التطوير دون توفير تعويض فوري وكافٍ أو بديل سكني مناسب يُعد شكلًا من أشكال الإخلاء القسري المحظور دوليًا وفق التعليق العام رقم 7 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التطوير العمراني لا يشكل استثناءً من هذه القواعد، وأن غياب التعويض الملائم يوقع الدولة في مخالفة واضحة للمعايير الدولية”.
ويعتبر مدير السياسات في ديوان العمران أن صرف بدل إيجار غير منتظم وبقيمة زهيدة مثل 500 جنيه شهريًا يمثل إخلالًا واضحًا بحقوق المتضررين، لأن هذا المبلغ لا يعكس واقع أسعار الإيجارات الحالية ولا يتيح للأسر الحصول على سكن آمن، موضحًا أن هذه السياسة تعكس غياب ضمانات جدية لجبر الضرر، سواء عبر توفير سكن بديل ملائم أو دعم مالي يعادل التكلفة الحقيقية للمعيشة.
ويؤكد الخبير العمراني أن معايير “السكن اللائق” تستند إلى سبعة عناصر حددتها المواثيق الدولية، أبرزها: الأمان القانوني للحيازة، القدرة على تحمل التكلفة، توافر المرافق الأساسية، السلامة الإنشائية، الملاءمة الاجتماعية، سهولة الوصول، والموقع المناسب، مشيرًا إلى أن وضع سكان قراقص لا يلبي هذه المعايير، باعتبارهم لم يشاركوا في صياغة خطة التطوير ولا تتوافر لهم الضمانات الأساسية للحق في السكن.
ويشير عز الدين إلى أن مبادرة “حياة كريمة” تعمل في إطار السياسات العامة للدولة الهادفة، إلى إعادة طرح المناطق الفقيرة بقيمة أعلى للمستثمرين. ويضيف أن تأخر المشروعات في عدد من المواقع يعكس غياب خطة زمنية واضحة تتضمن الجدوى الاقتصادية ومصادر التمويل.
ويتابع أن “البديل الأهم هو تطبيق القانون والالتزام بالمعاهدات الدولية التي تجرّم الإخلاء القسري، مع ضرورة التشاور الحقيقي مع السكان ومنحهم حق المشاركة في تحديد مستقبل مناطقهم، بدل اللجوء إلى الهدم الشامل، وإشراك السكان يبدأ بالتشاور المسبق والشفاف حول خطط التطوير وخيارات السكن، وتوفير معلومات واضحة عن حقوق كل أسرة”.
ويشدد الخبير العمراني على أهمية إشراك ممثلين عن السكان في اللجان المحلية، وتوثيق محاضر اتفاق رسمية تضمن حق العودة أو التمليك بعد الانتهاء من التطوير، مع توفير بدائل سكنية مؤقتة لائقة، معتبرًا أن هذه الآليات تُرسّخ الثقة وتضمن أن يكون التطوير لصالح المجتمع وليس على حسابه.
نوصي للقراءة: جرافات التطوير تصلُ “ضاحية الجميل” ببورسعيد: إخلاءٌ دون تعويض

صمت رسمي واستمرار المعاناة
على مدار أربع سنوات، ظل سكان قراقص يدورون في حلقة مفرغة من الوعود المؤجلة، والتصريحات الرسمية المتناقضة، وغياب أي تصور واضح لمستقبلهم، وبينما استُخدمت “التطوير” و“الصالح العام” كمبررات لقرارات الإخلاء والهدم، وجد المئات من الأسر أنفسهم فجأة خارج بيوتهم، بلا سكن بديل، ولا تعويض عادل، ولا إطار قانوني يضمن حقهم في العودة، رغم سنوات السداد، وعقود التمليك الأولية، ورسوم الصيانة والترميم التي دُفعت على مدى عقود.
وتكشف شهادات رباب ومحمد ومصطفى وغيرهم، عن ثغرة واسعة في سياسات العمران الاجتماعي في مصر، حيث تتحول خطط التطوير من فرصة لتحسين جودة الحياة إلى مصدر لمعاناة جديدة، حين تُنفذ بلا شفافية، أو دون إشراك السكان، أو بدون توفير بدائل مناسبة تحمي الأسر من التشريد، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول غياب العدالة الإجرائية، ومدى المساءلة بين الجهات المحلية.
وحرصًا منا على حق الرد، تواصلت “زاوية ثالثة”، هاتفيًا مع محمد مسعود، رئيس مركز ومدينة دمنهور في البحيرة، لسؤاله عن تفاصيل أزمة السكان المتضررين، غير أنه نفى علمه بالأمر، كونه كان قد تولى منصبه، في 29 أكتوبر المنقضي، بقرار من الدكتورة/ جاكلين عازر – محافظة البحيرة، والتي كلفته بالقيام بأعمال رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور.
وحاولت “زاوية ثالثة” مرارًا التواصل مع الدكتورة جاكلين عازر، محافظة البحيرة، والبرلمانية سناء برغش، النائبة عن بندر ومركز دمنهور، وعضو حزب مستقبل وطن، لكن كلتاها لم تجيب عن أي من اتصالاتنا، كما تواصلت هاتفيًا مع اللواء حسن موافي، سكرتير عام محافظة البحيرة، لسؤاله عن الموضوع، والشكوى المقدمة من المواطنين المتضررين من سكان عزبة الكوم في قرية قراقص، لكنه رفض التعليق على الأمر وطلب منّا التواصل مع المركز الإعلامي بالمحافظة، والذي لم يبد علمه بتطورات الأزمة، حين اتصلنا به، إذ أوضح المسؤول أن المحافظة كانت تصرف لهؤلاء السكان بدل إيجار شهري، لحين توفير بديل سكني لهم، لكنه كان يظن أن الأزمة قد انتهت، متعهدًا بالرجوع إلى المسؤولين.
اليوم، يقف متضررة قراقص على حافة اليأس، محمّلين بديون الإيجار، ومهددين بفقدان الاستقرار العائلي، بينما تظل مساكنهم المهدومة شاهدة على وعود لم تُنفذ، ومبادرات لم تكتمل، ومشروع تطوير لم يُحدد مصيره بعد. وفي ظل استمرار هذا الفراغ، يبقى السؤال مفتوحًا: من يعيد لهذه الأسر حقها في السكن، وكرامتها التي أُهدرت، ووطنًا صغيرًا فقدوه على عتبة قرارات بلا بديل؟