close

انتخابات لم يصدقها أحد.. حين تصبح الطعون أكثر من المقاعد الفردية

300 طعن على نتائج انتخابات البرلمان المصري 2025، و70% من دوائر المرحلة الأولى أُلغيت أو أُعيدت. مرشحون يوثقون بالصور والفيديو وقائع شراء أصوات وتسويد بطاقات، وخبراء يحذرون من برلمان “فاقد الشرعية” وسط تضارب الأرقام وتنامي المال السياسي
Picture of سلمى مراد

سلمى مراد

تشهد مصر واحدة من أكثر الانتخابات البرلمانية إثارة للجدل في تاريخها الحديث، بعد أن تحولت انتخابات مجلس النواب 2025 إلى استحقاق تخللته إلغاءات واسعة وإعادات اقتراع في عشرات الدوائر. فمنذ انطلاق المرحلة الأولى يومي 10 و11 نوفمبر في 14 محافظة، ثم المرحلة الثانية يومي 24 و25 من الشهر نفسه في 13 محافظة، ارتبط مسار التصويت بسلسلة من القرارات القضائية والانتخابية التي أعادت رسم خريطة السباق في عدد كبير من المقاعد

في المرحلة الأولى وحدها، أُبطلت النتائج في نحو 70% من دوائرها، مع إلغاء الانتخابات في ما يقارب 49 دائرة من أصل 70 دائرة، شملت دوائر بارزة في محافظات الجيزة والإسكندرية وأسيوط وسوهاج وأسوان، قبل أن تُعاد الانتخابات في 19 دائرة يومي 3 و4 ديسمبر الجاري. تزامن ذلك مع دعوات رسمية للتحقيق في المخالفات المرتبطة بالتصويت والفرز، ومع استمرار فرز الأصوات في دوائر أخرى، ما جعل خريطة المرحلة الأولى طوال أسابيع عرضة للتعديل والتقليب بين الإلغاء والإعادة واعتماد النتائج.

بالتوازي، شهدت العملية الانتخابية موجة غير مسبوقة من الطعون القضائية؛ إذ استقبلت المحكمة الإدارية العليا في البداية 102 طعن على نتائج المرحلة الأولى، قبل أن ترتفع الحصيلة لاحقًا إلى ما يقارب 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية وجولاتها، شملت أحكامًا برفض 211 طعنًا، وإحالة نحو 40 طعنًا إلى محكمة النقض، وعدم قبول عدد محدود من الطعون شكلاً. كذلك حُجز 48 طعنًا على نتائج 30 دائرة ملغاة للحكم خلال النصف الثاني من ديسمبر، مع استمرار نظر طعون أخرى متصلة بجولات الإعادة، لتبقى التركيبة النهائية للمجلس رهينة قرارات قضائية متتالية.

وانتهت عملية التصويت الأساسية داخل مصر مع ختام المرحلة الثانية في 25 نوفمبر ، لكن الانتخابات لم تنته سياسيًا أو قانونيًا؛ إذ امتد المشهد إلى جولات إعادة في ديسمبر، وإلى إعلان متدرج للنتائج النهائية في مواعيد تراوحت بين منتصف ديسمبر ونهايته، مع امتداد معالجة الطعون إلى ما بعد ذلك. وبين أرقام مشاركة رسمية تتحدث عن حضور واسع، وواقع انتخابي طبعه الإلغاء وإعادة الاقتراع وكثافة الطعون، تبدو انتخابات مجلس النواب 2025 اختبارًا حادًا لقدرة النظام الانتخابي والقضائي على استعادة الثقة في صناديق الاقتراع.

من جهتها، شنت وزارة الداخلية حملات أمنية مكثفة استهدفت موزعي الرشاوى الانتخابية، وأعلنت القبض على عشرات المشتبه بهم في محافظات المرحلتين الأولى والثانية، خاصة في الجيزة والإسكندرية وسوهاج، بعد ضبط مئات آلاف الجنيهات النقدية والتي تُستخدم لشراء أصوات الناخبين.

في المقابل وثق مرشحون في دوائر عدة خروقات انتخابية تمثلت في توزيع رشاوي على الناخبين، ومخالفات أخرى تتعلق بطبيعة عمل القضاة، وكان من أبرز هذه الوقائع مقطع فيديو أرسل إلى زاوية ثالثة من أحد المرشحين، يُظهر رئيس اللجنة العامة بدائرة المنصورة بمحافظة الدقهلية أثناء استقلاله سيارة مملوكة لشقيق أحد المرشحين، وذلك خلال فترة التصويت- وهو ما ذكره المرشح أيضًا في التظلم الذي قدمه عقب الإعلان عن النتائج وحصلت زاوية ثالثة على نسخة منه.

وإلى جانب هذا المقطع، وصل زاوية ثالثة مقاطع أخرى من دوائر مختلفة، تضمنت مشاهد لتسويد بطاقات انتخابية، إلى جانب تداول أحاديث عن صفقات لتجميع الأصوات مقابل تبرعات للقرى، قُدّرت قيمتها بملايين الجنيهات، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول نزاهة ما جرى داخل وخارج اللجان خلال العملية الانتخابية.

 

نوصي للقراءة: مصر: 100 حزب.. صفر سياسة

ِشبهات التزوير تحوم حول لجان المنصورة

في هذا السياق يقول ياسر علي جمعة، المرشح المستقل عن مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، إن جولة الإعادة في الانتخابات شهدت “مخالفات جسيمة وغير مسبوقة”، على حد وصفه، شملت- بحسب روايته- شراءً منظمًا للأصوات، وإقصاء مندوبي بعض المرشحين من اللجان خلال عملية الفرز، إلى جانب تضارب واضح في أرقام التصويت المعلنة التي وصلت إلى عشرات الآلاف مقارنة بالمشاهد الفعلية داخل الدوائر حيث اللجان الفارغة دون ناخبين.

ويوضح جمعة، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أنه دخل جولة الإعادة بحوالي 25.5 ألف صوت، قبل أن يفاجأ بما وصفه بصفقات لجمع الأصوات في عدد من القرى، تقوم على دفع مبالغ تتراوح بين 3 و4 ملايين جنيه مقابل ضمان عدد محدد من الأصوات يصل إلى 4000 صوت من القرية الواحدة، على أن تُسترد الأموال حال عدم تحقيق العدد المتفق عليه. مضيفًا أن هذه المبالغ تُسلَّم، وفق قوله، إلى “كبار القرية”، وتُخصَّص لاحقًا لمشروعات خدمية مثل إنشاء نوادٍ أو مراكز شباب، مشيرًا إلى وجود مقاطع فيديو وصلت إلى الحملة توثّق هذه الوقائع.

ويشير المرشح إلى أنه خلال يومي الاقتراع، تعرّض عدد من مندوبيه داخل اللجان لضغوط وتهديدات أجبرتهم على مغادرة مقار التصويت، قبل أن تتصاعد شكوكه عقب إعلان النتائج، التي أظهرت – بحسب قوله – مشاركة نحو 139 ألف ناخب، مقارنة بـ160 ألفًا في الجولة الأولى التي تنافس فيها 52 مرشحًا، معتبرًا أن هذا الرقم “غير منطقي” في ظل عدم وجود تزاحم أو اقبال على التصويت في كافة اللجان الانتخابية.

يستشهد جمعة في حديثه، بتراجع عدد الأصوات في قرية “تلبانة” من نحو 10 آلاف صوت في الجولة الأولى إلى قرابة 1500 صوت فقط في جولة الإعادة، إلى جانب ظهور لجان بلغت نسبة التصويت فيها 90%، رغم ما وصفه بغياب الزحام أو الإقبال الكثيف طوال يوم التصويت.

ويضيف أن حملته وصلت إليها مقاطع فيديو أظهرت، بحسب قوله، وقائع لتسويد بطاقات اقتراع خارج اللجان وداخل مرافق بالمقار الانتخابية، فضلًا عن مقطع آخر يُظهر رئيس اللجنة العامة للدائرة وهو يستقل سيارة شقيق أحد المرشحين خلال فترة التصويت، وهو ما اعتبره “مساسًا صريحًا بحياد العملية الانتخابية، مشيرًا إلى أنه تقدّم بتظلم رسمي، تمهيدًا للطعن على النتائج عقب صدور القرار النهائي من اللجنة المختصة، معتبرًا أن ما جرى “يتجاوز أخطاء فردية إلى نمط متكرر من المخالفات” داخل الدائرة.

 

نوصي للقراءة: 70% من الدوائر ملغاة والباقي مشكوك فيه.. ماذا تبقى من انتخابات البرلمان؟


تضارب في الأرقام

من المنصورة إلى محافظة الشرقية، تصاعدت حالة الغضب داخل اللجان العامة مع إعلان حصر الأصوات، إذ شهدت اللجنة العامة بدائرة الزقازيق توترًا ملحوظًا على خلفية تضارب الأرقام بين النتائج المُعلنة رسميًا، وتلك التي قالت الحملات الانتخابية للمرشحين المنافسين إنها توصلت إليها استنادًا إلى محاضر الفرز، لصالح مرشحي أحزاب الموالاة.

أدى هذا التضارب إلى حالة من الغضب داخل مقر اللجنة العامة، كان من أبرزها اعتراض إيمان خضر، المرشحة لمجلس النواب عن الدائرة، التي لوّحت بالدخول في اعتصام مفتوح رفضًا لما وصفته بـ”النتائج غير المتطابقة مع محاضر الفرز”، مطالبة بمراجعة الأرقام المعلنة والتحقق من سلامة إجراءات الحصر.

من جهتها تقول مروة هاشم، – المرشحة عن دائرة الزقازيق بمحافظة الشرقية-، إن النتائج المُعلنة من اللجنة العامة جاءت مخالفة لمحاضر الفرز الواردة من 154 لجنة فرعية، وبفروق – بحسب تقديرها – تصل إلى نحو 20 ألف صوت صُبّت لصالح المرشحين الأربعة الذين أُعلن فوزهم والمحسوبين على أحزاب الموالاة.

وتوضح مروة، في حديثها لـ”زاوية ثالثة”، أن حملتها كانت قد انتهت من تجميع النتائج استنادًا إلى محاضر الفرز الرسمية الواردة من مندوبيها داخل اللجان، وكانت على وشك إعلانها، قبل أن تُفاجأ بإعلان أرقام مختلفة تمامًا داخل اللجنة العامة. وتضيف هاشم أن الأصوات الخاصة بها وبباقي المرشحين الخاسرين لم تُخصم، لكن الزيادة – وفق قولها – أُضيفت إلى أرقام الفائزين فقط.

وتؤكد المرشحة أنها تقدمت بتظلمات رسمية جرى فحصها حاليًا داخل الهيئة الوطنية للانتخابات، مرفقة بجميع محاضر الفرز التي قالت إنها تثبت صحة ما توصلت إليه بالأرقام، مشيرة إلى أن الفروق “كبيرة وفادحة” ولا يمكن تفسيرها بأخطاء حسابية عادية.

وخلال يوم التصويت، رصدت الحملة – بحسب هاشم – مقاطع فيديو تُظهر توجيه ناخبين أمام بعض اللجان من قِبل مرشحين تابعين لأحزاب سياسية، في مخالفة صريحة للقواعد المنظمة للعملية الانتخابية. وتضيف أن هذه المقاطع جرى تقديمها إلى الهيئة الوطنية للانتخابات على وحدات تخزين إلكترونية، مطالبة بفحصها بشكل عادل ومستقل.

وتشدد المرشحة على دائرة الزقازيق على أن ما تصفه بـ”التزوير الصارخ” لا يقتصر أثره على المرشحين الخاسرين، بل يمتد – بحسب تعبيرها – إلى المساس بإرادة الناخبين الذين شاركوا في التصويت، معتبرة أن فرض نواب لا يعبرون عن اختيارات المواطنين يتناقض مع الدعوات الرسمية التي شددت على أن يكون البرلمان معبّرًا عن الإرادة الشعبية.

في المقابل تعرب مروة عن ثقتها في صلاحيات الهيئة الوطنية للانتخابات وقدرتها على مراجعة الوقائع، مستشهدة بحالات سابقة جرى فيها إبطال نتائج بعض اللجان بعد ثبوت وجود تلاعب أو مخالفات جسيمة. وفي الوقت ذاته، أقرت بمرور لجان أخرى رغم تقديم شكاوى بشأنها، مؤكدة أن دور حملتها اقتصر على تقديم ما توافر لديها من مستندات وأدلة.

زهران يستعد للطعن بسبب المال السياسي 

من محافظة الشرقية إلى قلب القاهرة، يستعد الدكتور محمد زهران، مرشح دائرة المطرية، للطعن على نتائج الانتخابات بعد إعلان الحصر العددي الرسمي يوم الخميس 25 ديسمبر، حيث قدّم التظلم مباشرة عقب الإعلان.

من جهته يقول باسم صالح، مدير حملة المرشح، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، إن الحملة رصدت عددًا من المخالفات خلال اليومين الأولين من التصويت، وذلك عبر بث مباشر لمتابعة النقاط الانتخابية وتوزيع الكروت والتوجيه للناخبين. وأوضح أن بعض الميكروباصات كانت متوقفة في الشوارع لتوزيع مبالغ مالية على الناخبين، إلى جانب رصد نقاط متعددة داخل الحواري والمحلات، يُفترض أن تُقدَّم الأموال فيها مقابل تصويت محدد، كما تم توثيق اتفاقات بين الوسطاء والناخبين.

ويشير إلى أن بعض المواطنين تدخلوا أثناء التصوير المباشر لمخالفات التوجيه بالمال السياسي، فيما تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط نحو 10–12 شخصًا متورطًا في نقاط توزيع الأموال، مع الإشارة إلى وجود شخصيات بارزة لم يُعلن رسميًا عن ضبطها.

وحول نتائج الانتخابات، يوضح مدير الحملة أن الطعن الرسمي تركز على مخالفات واضحة في بعض اللجان، لا سيما فيما يتعلق بتوزيع الكروت الموجهة للناخبين، وعدم الالتزام الكامل بإجراءات التشميع والتوثيق للصناديق في بعض اللجان، رغم أن فريق الحملة لم يتمكن من توثيق جميع المخالفات لأسباب تنظيمية وإدارية.

ويؤكد صالح أن التركيز في الطعن كان على ما وصفه بـ«توجيه الأصوات بالمال والكروت»، باعتباره المخالفة الأكثر تأثيرًا على نزاهة العملية الانتخابية، مشيرًا إلى حرص الفريق على توثيق كل ما أمكنه من مخالفات لدعم التظلم المقدم للهيئة الوطنية للانتخابات.

في السياق يروي أحد المراقبين للانتخابات داخل إحدى الحملات الانتخابية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، عددًا من المخالفات خلال انتخابات دائرة المطرية، التي شهدت منافسة بين أربعة مرشحين.من أبرز تلك المخالفات استخدام جمعيات دينية ملاصقة للمساجد، من بينها “أنصار السنة المحمدية”، كنقاط مركزية لنقل الناخبين.

بالإضافة إلى استخدام أحد المرشحين المحسوبين على أحزاب الموالاة لبطاقات مطبوعة تحمل رمز “كيو آر كود” ورقم مسلسل باركود فقط، تُسلّم للناخب، ويُحوَّل المبلغ المالي المستحق له لاحقًا إلكترونيًا، بدلًا من الدفع النقدي المباشر. مشيرًا إلى تعليق أحد ضباط الشرطة عندما طلب منه إغلاق إحدى نقاط تجميع الناخبين ملاصقة للجان: ” إذا رأيت أحد معه أموال شاور عليه وسيتم القبض عليه فورًا”.

 

نوصي للقراءة: الثانية كالأولى.. إلغاء 19 دائرة لم يغير شيئًا في المشهد الانتخابي

شرعية  في مأزق وآمال بحل البرلمان

تعليقًا على استمرار الطعون في النتائج الجهات القضائية، يرى محمد سعد عبد الحفيظ، الكاتب الصحفي ووكيل نقابة الصحفيين، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أن المواطن فقد الثقة في العملية السياسية، وإن الانتخابات الأخيرة عززت هذه الحالة من فقدان الثقة. ويضيف أن البرلمان المقبل سيظل “موصومًا وملاحقًا بتهم المال السياسي وشراء الأصوات”، مع التشديد على أن شرعيته محل شك، بغض النظر عما إذا اكتمل تشكيله أم لا.

ويشير عبد الحفيظ إلى أن البعض يتوقع أن يتم الطعن على النتائج أو إحالة بعض الطعون إلى المحكمة الدستورية العليا، التي قد تقضي ببطلان الانتخابات، سواء لثغرات في النظام الانتخابي  وقانون الانتخابات أو العملية الانتخابية، أو لتنازع بين الهيئة الوطنية والإدارية العليا ومحكمة النقض. وأكد أنه بغض النظر عن نتيجة هذه الطعون، يظل البرلمان محاطًا بشكوك في شرعيته.

ويوضح الكاتب الصحفي أن هذه الشرعية تتأسس على سلامة الإجراءات، وهو ما يشوبه الشك في هذه الانتخابات، حيث أثبتت كل الأطراف أن إجراءات العملية الانتخابية محل خلاف ومطعون فيها. ويضيف أنه تم توثيق مخالفات بالصوت والصورة، ومراجعة بعض الحالات، فيما لم تُراجع حالات أخرى. كما يوضح أن القوانين التي تقوم عليها المؤسسات الانتخابية يجب أن تكون شرعية ودستورية وتراعي جميع أطراف المجتمع، وهو ما لم يُراعَ في قوانين الانتخاب الحالية.

في السياق يقول وليد العماري، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، إن البرلمان القادم فاقد لمصداقيته منذ اليوم الأول، مشيرًا إلى وجود عزوف كبير عن التصويت في بعض اللجان، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 5% في بعض الدوائر التي فاز فيها أعضاء من أحزاب الموالاة، ما يعني أن الأغلبية تمثل نسبة صغيرة جدًا من الناخبين.

ويرى العماري في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أن هناك مشكلة إضافية تتعلق بالقائمة الوطنية لم تُحسم بعد، حيث أن الطعون التي قُدمت في المرحلتين الأولى والثانية وأدت إلى إلغاء نتائج بعض اللجان على المستوى الفردي، كان من المفترض أن يكون لها أثر أيضًا على أصوات القائمة الوطنية، إذ يصوت المواطن على المقعد الفردي وعلى القائمة معًا. 

ويضيف العماري أن الدوائر الملغاة على المستوى الفردي قد تعني ضمنيًا أن هذه الأصوات لم تُحسب للقائمة الوطنية، التي من المفترض أن تتجاوز نسبة 5% لتستحق المقاعد، بينما تقدّر الهيئة الوطنية للانتخابات أن القائمة حصلت على 17.5% من الأصوات. ويوضح أن حذف الأصوات التي الغاء دوائرها قضائيًا قد يؤدي إلى عدم وصول القائمة إلى الحد الأدنى المطلوب، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصداقية النتائج.

ويضيف المتحدث باسم الحركة المدنية أن المواطنين على دراية بأن غالبية الفائزين والمحسوبين على أحزاب الموالاة مرتبطين بممارسات غير مشروعة، وأن عزوف الناخبين انعكس في انخفاض نسبة المشاركة لأكثر من 50% في المرحلة الثانية.

ويوضح العماري أن غياب الرقابة ووجود مخالفات واضحة في العملية الانتخابية، إضافة إلى سيطرة أحزاب الموالاة على القوانين والتشريعات الأخيرة مثل قوانين الحبس الاحتياطي والعمل والإيجارات القديمة، كلها عوامل تؤكد فقدان ثقة المواطنين في البرلمان القادم. ولفت إلى أن القوائم المعترضة على القائمة الوطنية تم رفض إدراجها دون أسباب واضحة، ما يضر بشرعية الانتخابات ويحد من وجود معارضة فعلية في البرلمان.

كما يشير العماري إلى أن هناك منهجًا متعمدًا بدأ منذ تعديل قوانين تقسيم الدوائر، وزيادة اتساعها، واعتماد نظام القائمة المغلقة المطلقة، بهدف تهميش المعارضة ومنعها من الوصول للبرلمان، ما يضع العملية الانتخابية تحت طائلة الشك. ويرى العماري أن الحل الدستوري يكمن في قدرة رئيس الجمهورية على حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة بقوانين عادلة، بما في ذلك تقسيم الدوائر بشكل أصغر وضمان تكافؤ الفرص، وإنهاء نظام القوائم المغلقة أو العودة للنظام الفردي، لضمان تمثيل عادل للشعب. مشيرًا إلى أن استمرار الوضع الحالي دون إصلاحات يشير إلى تراجع ثقة المواطنين في البرلمان الجديد، وأنه من الضروري إعادة النظر في هيكلة الانتخابات لضمان شرعيتها ونزاهتها.

في ظل هذه الأجواء، واستمرار تقديم الطعون والتشكيك في العملية الانتخابية يبدو أن البرلمان المقبل  قيد يحمل الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام حول نزاهة العملية الانتخابية وشرعيته، بما في ذلك تضارب النتائج، انتهاكات واضحة داخل اللجان، وسيطرة أحزاب الموالاة على القوانين والتشريعات. 

وتؤكد شهادات المرشحين والسياسين على أن غياب الرقابة الفعلية وعزوف المواطنين أضعف مصداقية المؤسسة التشريعية. ومع استمرار الطعون أمام القضاء الإداري والدستوري، يبقى الطريق نحو استعادة الثقة الشعبية محفوفًا بالتحديات، ما يجعل الحاجة ملحة لإصلاح شامل يضمن تكافؤ الفرص، شفافية الإجراءات، وتمثيلًا حقيقيًا لإرادة الشعب.

Search