الحرافيش مملكة الأرض ومملكة السماء

182

مفيش اديب اقتبست السينما من اعماله زي نجيب محفوظ ، ومفيش رواية مصرية او عالمية اقتبست منها السينما زي رواية الحرافيش  

الحرافيش ، الجوع ، المطارد ، التوت والنبوت ، شهد الملكة ، شياطين الليل ... 

كلها افلام وقصص انبثقت من منبع الحرافيش فيه بعضها حافظ علي النص الاصلي وفيه بعدها حرف وذود ودمج اكتر من قصة في التانية 

لكن هل نجيب الفيلسوف اديب نوبل اللي رواياته دايما كانت مثار للجدل كان قاصد بالحرافيش مجرد قصص فيها اكشن وصراع حوالين الفتونة وحكم الحارة ولا كان بيرمي لما هو ابعد 

رأيي ان الحرافيش كانت مشروع طموح ، طموح جدا ونجح نجيب في انه يصل لهدفه بل يتجاوزه كمان 

الحرافيش رواية من عشر حكايات ، تحكي تاريخ البشرية وتطورها ، مفيش فكرة حكمت البشرية الا وغزلها نجيب في الرواية بداية من النبي والرسالة السماوية مرورا بالخلفاء واللي حافظوا علي العهد او خانوه ، وصولا لتسامح المسيح وايضا افكر الحضارة الغربية المادية اللي بتحكمها المصلحة والقوة بعيدا عن اي اخلاق و قيم 

نبدأ بعاشور ، الظهور الغامض المبهم ، طفل لقيط ، مرمي عند التكية ، التكية المليانة بالدراويش واناشيدهم الجميلة بالنسبة لاهل الحارة التكية هي اشبه بالجنة ،،جنة الله وفيها عباده الصالحين ، وفي ليلة عند الفجر يلاقوا جنب التكية طفل ، رضيع بيبكي ، ياخده ويربيه الشيخ عفرة زيدان ، يزرع في قلبه الايمان والقيم والمحبة . يكبر وملامح الاسطورة طاغية عليه ، جسد ضخم وقوة عملاقة وقلب عصفور طيب يكره الاذي والظلم، لكنه يتجنب الاصطدام بالفتوات  رغم انه قوي ورغم انه رافض ليهم ، لحد ما تسوقه الايام بعد ما يتجاوز  الاربعين ليهم ، سنه اربعين كأنه نبي ، نبي قوي يحطم بقوته سلطان الظلم ويأسس دولة العدل تنعم معاه الحارة والحرافيش بالامان والعدل لسنين طويلة ويختفي فجأة ، يختفي ويقولوا راح للتكية اللي ظهر منها ، يختفي بغموض زي بدايته ، زي اي اسطورة حكمت الناس في اي مكان في العالم ، مبهمة قوية وفيها جانب سحري ومن بعدها يتخبط الناس وتضيع حياتهم 

لكنه سايب ابنه شمس الدين ، الابن بنيانه ضعيف.  لكنه مؤمن بالعدل ، مؤمن بالدين اللي آمن وبشر بيه عاشور الناجي ، فتتمثل فيه القوة ويحارب وينتصر ويبقي الفتوة ونعم الخليفة لابوه ، لكن ليه اسمه شمس الدين ؟ الاساء عند نجيب دايما ليها معني ، اظن قصد يرمز بيه لخليفة الاسطورة او النبي او لمفكر المؤسس ، الخليفة الاول دايما بيكون متمسك بالاصل بالتالي بتسطع معاه الفكرة والدولة زي الشمس ، فطبيعي يكون اسمه شمس الدين 

من بعده سليمان ، وسليمان في التراث اسم مرتبط بالملك سليمان وملكه العظيم وبالفعل سليمان يتخلي ، ينسي ويبعد عن عدل جده عاشور ، ويعاني الناس معاه لانه ساب الفكرة واتجه للملك ومراكمة الثروة ، ودي دايما مشكلة الجيل التاني ، التابعين ، لم يعاشروا المؤسس القوي المؤمن فالايام تقدر تبعدهم بسهولة عن الاصل 


سماحة ، المآساة ، اللي جسدها نور الشريف في فيم المطارد ، حفيد الناجي  لكن خلاص الدنيا اتغيرت ، يقتلوا حبيبته ويهرب، يفضل سنين بيحلم باليوم اللي يرجع فيه ويأسس دولة العدل ، لكنهم  يورطوه في جريمة قتل والتانية ، يفضل هربان تلاتين سنة وفي الآخر يتعمي ، لكن قلبه لسا شايف حلم جده  ، يموت في الحارة زي الدراويش بسيط واعمي ، ضاعت حياته عشان حلم عجز انه يحققه ، سماحة يشبه كتير سيدنا الحسين وزين العابدين ومحمد النفس الذكية احفاد النبي ، اللي عاشوا وعانوا عشان يقيموا دولة عادلة لكن طغيان الظلم والناس اللي نسيت وتناست كان حائل قوي بينهم وبين هدفهم 


زهيرة ، شهد الملكة ، البنت الجميلة والمرأة القوي اللي ما تعرفش الحب ،وعاشقة للمال والسلطة ، معاها الحارة تعرف جبروت الست وحكها لاول مرة ، جمالها يهيم فيه الفتوة والثري والمأمور والكل يضيع محدش يعرف يوصل لقلبها ، هي الملكة ، ملكة النحل ودول اتباعها اللي بيحلموا برحيقها ويطيروا وراها للاعالي وتحرقهم نار الشمس 

زهيرة هي حتشبسوت وكليوباترا وبلقيس ، الست اللي تقدر علي الحكم وقهر الرجال ، مش ربة البيت الضعيفة المستكينة الباحثة عن ظل رجل اي رجل 


جلال صاحب الجلالة ، جلال ابن زهيرة هو بداية عصر تاني في ملحمة الحرافيش ، عصر القوة والمادة ، عصر غير منتمي تماما للجد وعدله وحكايته ، عصر مؤمن بحياته علي الارض وعاوز يخلد فيها ، جلال يبدأ حياته مؤمن بالعدل وبعاشور الناجي لكن مع لوقت وصدامات الحياة يفقد ايمانه ، يكره الموت ويحتقره مع انه قانون الحياة ويسعي للخلود ، زي الافكار المادية اللي حكمت العالم بعد الثورة الصناعية ، افكار نيتشه وسبينوزا ، اللي معاها كان الاستعمار ونهب الدول الفقيرة ، هما مش مذنبيين ، هما اساسا رافضين الايمان بعالم آخر ، رافضين قيم العدل والرحمة المتجاوزة لظلم الواقع وقسوته ، جلال يضرب بالروحانيان والقيم عرض الحائط وتكون نهايته السم ، مقتول بالسم علي ايد مراته 

وتبقي المئذنة اللي بناها دليل علي قوته وعظمته وايضا جنونه 

من بعد جلال يجي نسله ، زي نسل عاشور ، لكن نسل عاشور مؤمن وعذبه ايمانه ، نسل جلال نغمس في الحياة وقوانينها ، ناسي تماما عهد اسرة الناجي ، ابن جلال يعيش حياته زي اي راجل عادي ، يتجوز ويخلف ويكون ثروة صغيرة ناسي حكاية ابوه وجدوده ، صمام امانه الحب ، حبه لامه زينات ووجودها في حياته ، لحد ما تموت ، هنا تتجلي المآساة ، حب امه المحدود بحياتها ، عدم قدرته علي التجاوز والتقبل ، يخليه يتجن ويموت مقتول علي ايد ابنه 

ابن جلال بشوف معاه معاناة الناس في عصر المادة ، عصر بعيد عن التسامح والعدل ، عن قيم تعطي الحياة معني ، فمع اي صدمة قوية يختل عالمهم ويتجننوا او يتحولوا لزومب يدمر الآخرين 


فتح الباب ، اول ثورة جماهيرية في تاريخ الحارة  ، لفتي المحب الطيب الوديع ، بنيانه ضعيف لكن حلمه قوي ، حلم العدل لا يشترط القوة ، فقط ان تصدق وتحاول باصرار ، يسرق الغلال ويوزعها علي الحرافيش في الليل ، ويهمس لهم انها من عاشور الناجي ، يحيي الاسطورة في نفوسهم ويستغلها ويلعب القدر لعبته فتندلع الثورة 

كأن الكاتب هنا بيسجل عصر الثورات ، الثوار ادركوا لعبة التاريخ وتطوره ، عرفوا ان قديما كانت الاساطير والانبياء بداية وتأسيس للعدل ، لكن حديثا الامر يحتاج مزج جديد ، خليط من الايمان القديم وحشد الناس ، الناس هما العصا والنبوت وايد لفتوة العادلة لاقتناص حقوقهم 

صحيح فتج الباب يموت مقتول لكن الامل موجود الامل في حفيد جديد للناجي العظيم وثورة جديدة 

وقد كان ، عاشور الاخير والمتمم ، الحكاية العاشرة ، حلم نجيب محفوظ وحلم اي مؤمن بالعدل ، عاشور يدرك ان قوة جده الاول انتهت بموته ، اذن لازم الحرافيش يمتلكوا القوة اللي يحموا بيها حقوقهم ، بس مش في ثورة مندفعة زي ثورة فتح الباب ، لازم الاول تنظيم قوي ، تنظيم وعصابة من الحرافيش تنقض علي الفتوة وبلطجيته وينتزعوا منهم السلطة ، كأنه هو دا الحل لقسوة العالم وظلمه 


وفي النهاية ، عاشور الاخير قدام باب التكية يسمع الاناشيد ، يحل بيوم ينضم فيه للدراويش ، لعالم تاني فيه جده عاشور ، عالم خير ومحبة ، لكنه ينتبه جأة انه مازال في الدنيا ، الدنيا اللي هيحاول فيها كتير جدا هو واتباعه عشن الحق والعدل 

فيبتسم ويهون علي نفسه ويقول لباب التكية 




تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك