في ظل تصاعد حدة التوتر بين القاهرة وتل أبيب، تترقب الأوساط الدبلوماسية لقاءً محتملاً في العاصمة الأمريكية واشنطن يجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما ترجح تقارير محاولات أمريكية لترتيب لقاء ربما يجمع السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مسعى لاحتواء أي تصعيد قد يهدد اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى توقيعه في القاهرة برعاية أمريكية في أكتوبر الماضي. ويأتي هذا التحرك في وقت تتواصل فيه الخروقات الإسرائيلية للمرحلة الأولى من الاتفاق، عبر استهداف الفلسطينيين وفرض حصار مشدد على قطاع غزة، بما ينذر بتقويض التفاهمات القائمة وإعادة إشعال التوتر في المنطقة.
في المقابل، تتآكل فعليًا أسس اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على وقع الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، منذ دخوله حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، إذ لم تتوقف الغارات الجوية وأعمال القصف المدفعي التي استهدفت المناطق الشرقية للقطاع، إلى جانب إطلاق نيران كثيفة من الآليات العسكرية والطائرات المُسيّرة. ويتزامن ذلك مع فرض قيود مشددة على دخول مواد الإيواء والمساعدات الإنسانية، ما عمّق الأزمة الإنسانية مع حلول فصل الشتاء، إذ غرقت مخيمات النزوح في المواصي ودير البلح والنصيرات، فيما انهارت عشرات الخيام والمساكن المؤقتة في مدينة غزة بفعل الأمطار. وعلى الرغم من تسويق الاتفاق بوصفه مدخلًا للتهدئة ومرحلة تمهيدية لإعادة الإعمار، إلا أنه أخفق حتى الآن في كسر الحصار أو الحد من التدهور الإنساني المتسارع.
وتأتي هذه التطورات بعد نحو شهرين من قمة شرم الشيخ للسلام، التي عُقدت في 13 أكتوبر الماضي، بمشاركة دولية واسعة، وأسفرت عن توقيع مصر والولايات المتحدة، إلى جانب قطر وتركيا، على وثيقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ضمن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المندلعة منذ أكتوبر 2023. واشتملت الخطة، المؤلفة من 20 نقطة، على ملفات شديدة التعقيد، من بينها إطلاق سراح الرهائن، والإفراج عن سجناء فلسطينيين، والانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال، ونزع سلاح حركة (حماس)، وإطلاق مسار لإعادة الإعمار، غير أن المسافة بين الالتزامات السياسية المعلنة والتطبيق الفعلي على الأرض أخذت في الاتساع بصورة لافتة.
وعلى الأرض، تكشف المعطيات الميدانية عن هشاشة واضحة في الالتزام ببنود الاتفاق، لا سيما مع استمرار عرقلة الاحتلال للمسار الإنساني. فقد وثّق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة 738 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار خلال شهرين فقط، شملت 205 حالات إطلاق نار مباشر ضد المدنيين، و37 عملية توغل للآليات العسكرية داخل مناطق سكنية، أسفرت عن مقتل 386 فلسطينيًا وإصابة 980 آخرين، فضلًا عن تنفيذ 43 حالة اعتقال غير قانوني، بما يعكس تآكلًا منهجيًا لبنود الاتفاق.
وفي هذا الإطار، عاد ملف معبر رفح إلى الواجهة بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، ليتحول إلى نقطة اشتباك سياسي وإنساني جديدة. ففي 3 ديسمبر الماضي، أعلنت \تل أبيب نيتها إعادة فتح المعبر من الجانب الفلسطيني خلال أيام، بزعم السماح بخروج الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وهو ما نفته القاهرة بشكل قاطع، مؤكدة عدم وجود أي تفاهمات من هذا النوع. ولا يزال المعبر مغلقًا منذ مايو 2024 عقب سيطرة قوات الاحتلال على جانبه الفلسطيني، ما أدى إلى تعطيل دخول المساعدات الإنسانية وتفاقم الأزمة، في وقت تتصاعد فيه دعوات حركة حماس للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لرفع القيود وإدخال مواد الإيواء.
ومع اقتراب نهاية المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، تتزايد الضغوط الأمريكية على تل أبيب للانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تُعد الأكثر تعقيدًا وخطورة، نظرًا لتضمنها ملفات شديدة الحساسية، من بينها إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، ومحور فيلادلفيا، وآليات نزع السلاح، والرقابة الدولية، وإعادة الإعمار، إلى جانب إشكالية الجهة التي ستتولى تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس ومستقبل الإدارة المدنية للقطاع. وفي هذا السياق، تشير تقارير إلى مخاوف إسرائيلية من ضغوط أمريكية مرتقبة خلال لقاء منتظر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 ديسمبر الجاري، ضمن زيارة تستغرق ثمانية أيام، لدفع تل أبيب إلى بدء المرحلة الثانية حتى قبل تسليم جثمان آخر رهينة.
في المقابل، تؤكد القاهرة تمسكها بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه مدخلًا لا غنى عنه لأي مسار سياسي أو إنساني لاحق. إذ شدد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، الدكتور بدر عبد العاطي، على أن تثبيت التهدئة يمثل أولوية قصوى لضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، والانطلاق في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مجددًا الرفض المصري القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
وفي السياق ذاته، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والبدء الفوري في إعادة الإعمار، يمثلان أولوية لا تحتمل التأجيل، مشددًا على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
بدوره يؤكد السفير رخا أحمد حسن، – عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة-، وجود حالة احتقانٍ شديدة بين القاهرة وتل أبيب، بسبب رفض الأخيرة الانسحاب من محور فيلادلفيا ورفح الفلسطينية، في مخالفة صريحة لاتفاقية السلام، لافتًا إلى أن دولة الاحتلال لا تريد الالتزام بأي قرار، سواء ما يتعلق بوقف إطلاق النار أو بإدخال المساعدات الإنسانية، إذ تم الاتفاق على دخول 600 شاحنة يوميًا، بينما لا يدخل فعليًا سوى أقل من 200 شاحنة، بينما ترفض الانسحاب من القطاع، وتواصل التوسع فيما يسمى بالخط الأصفر، وتقصف غزة يوميًا بلا مبرر.
ويوضح أنّ تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق لم يكتمل، رغم أنّها تتضمن بندين أساسيين هما: وقف إطلاق النار وقفًا تامًّا، وإدخال المساعدات بالكميات المتفق عليها، ورفض تل أبيب لإدخال المنازل الجاهزة والخيام، وسعيها إلى تثبيت الوضع الحالي والانتقال للمرحلة الثانية دون تنفيذ التزاماتها، مشيرًا إلى أنّ المرحلة الثانية تتضمن انسحاب إسرائيل وإشراف قوات الاستقرار الدولية على الأمن في غزة، وهو ما ترفضه تل أبيب.
يقول حسن لـ”زاوية ثالثة”: “إنّ المشهد الإنساني في غزة محزن للغاية، وإسرائيل تراهن على تحويل الحياة في غزة إلى جحيم، عبر القصف المستمر، ومنع الغذاء والدواء، وتهجير الفلسطينيين قسرًا ما زال هو الهدف الأساسي، في حين ترفض القاهرة هذا المسار رفضًا تامًّا”.
ويعتبر الدبلوماسي المصري أنّ زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن هي أشبه باستدعاءٍ من الرئيس ترامب، في ظل عدم التزام الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة المطروحة، موضحًا أنّ الهدف منها هو التفاهم حول الخطوط العريضة للمرحلة الثانية، ومع ذلك يصف الموقف الأمريكي بأنّه متقاعس، لكون الولايات المتحدة، لم تعمد بعد صدور قرار مجلس الأمن، إلى تشكيل قوة الاستقرار ومجلس السلام واللجنة الفلسطينية التكنوقراط لإدارة غزة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، معتبرًا أنّ غياب هذه الخطوات يعكس عدم ثقة دولية في إسرائيل.
نوصي للقراءة: قمة شرم الشيخ: هدنة أم بداية مسار سياسي نحو السلام؟

اتفاق السلام على المحك
يرى الدكتور أحمد سيد أحمد، – خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية-، أن خطة ترامب للسلام باتت على المحك، معتبرًا أنّ زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن هذا الشهر ستحسم كثيرًا من القضايا، خاصة ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة في الضغط على إسرائيل لتنفيذ الخطة، أم ستواصل المواءمة مع الموقف الإسرائيلي، بما يُبقي الأوضاع في حلقةٍ مفرغةٍ دون أفقٍ واضحٍ للحل.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إسرائيل ما تزال تراهن على تفريغ خطة ترامب من مضمونها، أو عدم تنفيذها كاملًا، أو تطويعها بما يخدم الأهداف الإسرائيلية، وفي مقدمتها هدف التهجير القسري أو الطوعي للفلسطينيين، عبر منع دخول المساعدات واستمرار الأوضاع المأساوية في قطاع غزة، وهذا يفسر مطالبة نتنياهو بفتح معبر رفح في اتجاهٍ واحدٍ لخروج الفلسطينيين، فلا توجد رغبة حقيقية لدى الجانب الإسرائيلي في تنفيذ كامل الاتفاق”.
ويؤكد أنّ أحد أبرز أوجه الأزمة تتمثل في “غياب العقوبات” على الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، نظرًا لعدم وجود آليات فعالة لمعاقبة الطرف المنتهك، خاصة عندما يكون الجانب الإسرائيلي، وذلك رغم وجود ضمانات في اتفاق وقف إطلاق النار؛ ما شجّع إسرائيل على المماطلة والتأخير في تنفيذ التزامات المرحلة الأولى.
ويوضح، خبير العلاقات الدولية والأمريكية، أنّ تل أبيب لم تلتزم بالبنود الأساسية من المرحلة الأولى من الاتفاق، التي بدأت في العاشر من أكتوبر، سواء المتعلقة بوقف إطلاق النار أو بإدخال المساعدات أو بوقف الخروقات، ورغم الإفراج عن معظم الأسرى الإسرائيليين، بواقع 47 من أصل 48، بينهم 20 أحياء و27 جثثًا من أصل 28، فإنها ماطلت وأخّرت الانتقال إلى المرحلة الثانية، ومنعت دخول المساعدات، ولم تفتح معبر رفح ولا المعابر الخمسة الأخرى كما هو متفق عليه، كما سمحت بدخول نحو 150 شاحنة فقط يوميًا، بدلًا من 600 شاحنة، كما استمرت الخروقات الإسرائيلية وعمليات استهداف الفلسطينيين.
وفي المقابل، يشير أحمد إلى وجود ضغوط أمريكية على تل أبيب للانتقال إلى المرحلة الثانية، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن أنّه سيتم الانتقال إليها قريبًا، غير أنها المرحلة الأصعب، إذ أنّ إسرائيل تتذرع بملف الجثث، رغم تدخل مصر ومساعدتها في هذا الملف عبر إدخال المساعدات والفرق المتخصصة للوصول إلى الجثث، وتأتي في ظل تعقيدات هذه المرحلة، المرتبطة بتشكيل قوة الاستقرار، ومجلس السلام، واللجنة الفلسطينية المستقلة لإدارة قطاع غزة، وترتيبات الانسحاب.
كذلك يوضح أنّ التحديات تتزايد في ظل تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي بشأن اعتبار “الخط الأصفر” الفاصل بين شطري غزة حدودًا لإسرائيل، معتبرًا أنّ ذلك يعكس صعوبة المرحلة المقبلة، في ظل ميعَة الموقف الأمريكي وعدم ممارسة ضغوط قوية وحقيقية على إسرائيل لتنفيذ بنود الاتفاق وقرار مجلس الأمن رقم 2803.
ويتطرق إلى تحديات أخرى تتعلق بنزع سلاح الفصائل، وعلى رأسها سلاح حركة حماس، وتشكيل مجلس السلام، مشيرًا إلى أنّ ترامب أعلن أنّ المجلس سيُشكل العام المقبل، وسيضم 12 من قادة العالم إلى جانبه، مع استبعاد توني بلير بعد “فيتو عربي”، مشيرًا إلى أنّ ملف “قوة الاستقرار” ما زال يواجه ترددًا من دول عدة، لافتًا إلى أنّ الولايات المتحدة دعت دولًا أوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، للمشاركة، لكن هناك تحفظات واضحة.
نوصي للقراءة: قمة شرم الشيخ برئاسة مصرية- أمريكية.. كيف ستؤثر في مستقبل غزة؟

السيسي إلى واشنطن.. ما أهداف الزيارة؟
في سياق متصل تحدثت تقارير إخبارية عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن، هذا الشهر، للقاء نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، بغرض مناقشة إعادة إعمار غزة ودعم مصر في مواجهة التحديات الإقليمية، وتطورات سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على مصر، بالإضافة إلى قضايا أمنية واقتصادية أخرى، غير أن كلًا من وزارة الخارجية المصرية ورئاسة الجمهورية، لم تصدرا أي بيان لتأكيد أو نفي أنباء الزيارة.
وذكرت صحيفة ذا ناشيونال الأمريكية، على لسان مصادر -لم تسمها-، أن هناك استعدادات لزيارة الرئيس السيسي، لكنها لم تكشف عن موعد الزيارة أو مدتها، مشيرة إلى أن الاتصالات بين القاهرة وواشنطن لوضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال الزيارة المرتقبة الأولى للسيسي إلى واشنطن منذ تولي ترامب ولايته الرئاسية الثانية في يناير الماضي، وأن مسؤولون مصريون سافروا إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع مسؤولين في إدارة ترامب.
وسبق أن ألغى الرئيس المصري، زيارته إلى البيت الأبيض في فبراير الماضي، على خلفية إعلان ترامب خطته لإعادة توطين سكان غزة في مصر والأردن، وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية، وهي المبادرة التي رفضتها القاهرة بشكل قاطع، معتبرة أنها تمس أمنها القومي.
وكان الرئيس الأمريكي زار مصر في أكتوبر الماضي، لحضور قمة شرم الشيخ للسلام، بدعوة من نظيره المصري، وخلال ولايته الرئاسية الأولى (2017–2021)، التقى ترامب بالسيسي في مناسبات الدولية، من بينها اجتماعات في الرياض عام 2017، وفي واشنطن عام 2019، وأثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ويقول تقرير نشرته صحيفة ذا ناشيونال الأمريكية، إن السيسي سيناقش مع ترامب تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام في غزة، وسيستطلع رأيه حول ضرورة إدخال “تعديلات” على معاهدة مصر وإسرائيل لعام 1979، لتعكس التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، ناقلة على لسان مصادر لم تُسمها، أن القاهرة تسعى في المقام الأول إلى تخفيف القيود المنصوص عليها في المعاهدة بشأن عدد أفراد الخدمة ونوع الأسلحة التي يمكن نشرها في المنطقة (ج)، وهي الجزء المتاخم لإسرائيل في شبه جزيرة سيناء.
فيما أفاد تقرير حديث منشور على موقع أكسيوس، بأن ترامب كان يسعى للتوسط في عقد اجتماع بين السيسي ونتنياهو، إذ أن من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس الأمريكي في 29 ديسمبر الجاري.
وتعليقًا على ما يُثار بشأن زيارة محتملة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، يوضح أحمد سلطان، الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، أنّ أي زيارة رئاسية تُسبق بطبيعة الحال بترتيباتٍ قد تتسرب من دوائر الدولة المستضيفة، مرجحًا وجود زيارة قيد الإعداد، مع بقاء مسألة إتمامها النهائي مرهونةً بالتفاهمات والتنسيق بين القاهرة وواشنطن، مشيرًا إلى أنّ هذه الزيارة، إن تمت، ستتناول ملفاتٍ أساسية، في مقدمتها الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، والضغط على إثيوبيا في ملف سد النهضة، إلى جانب تطورات الوضع في السودان، في إطار تنسيقٍ إقليميٍ أوسع تشارك فيه مصر والسعودية.
وفيما يتعلق بإمكانية عقد لقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، من عدمه، يرجح سلطان “عدم إتمام اللقاء في الوقت الراهن”، رغم وجود رغبة أمريكية وأخرى إسرائيلية في ذلك، مؤكدًا لـ”زاوية ثالثة” أنّ ” مؤسسات الدولة المصرية أذكى من أن تمنح نتنياهو صكّ مشروعيةٍ جديدًا في هذه المرحلة، في ظل التحولات السياسية الدولية والداخلية، حتى داخل إسرائيل نفسها”.
وبشأن اتفاقية “كامب ديفيد”، يوضح الباحث المختص بالشؤون الإقليمية، أنّ الاتفاقية خضعت لتعديلاتٍ سابقة، كان أبرزها في عام 2018، لتعديل أوضاع انتشار القوات المصرية في المنطقة “ج” في سياق الحرب على الإرهاب، لكنه أشار في المقابل إلى وجود خروقاتٍ إسرائيلية واضحة، أبرزها احتلال الجيش الإسرائيلي لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، الواقع ضمن نطاقٍ لا يُفترض وجود قوات إسرائيلية فيه، معتبرًا ذلك خرقًا صريحًا للاتفاقية.
ويضيف أنّ مصر دفعت بقواتٍ إضافية إلى سيناء لأسبابٍ أمنية، من بينها تعطيل مخطط التهجير، وهو ما يثير انزعاج الجانب الإسرائيلي، الذي يفسر بعض المناورات العسكرية المصرية على أنّها موجهة ضده، رغم أنّ هذه القوات ذات طابعٍ دفاعي، وفي المقابل تسعى إسرائيل، عبر ضغوطٍ يمارسها اللوبي الصهيوني في واشنطن، إلى تقليص أو سحب الوجود العسكري المصري في سيناء، بل وتجاوزت ذلك إلى المطالبة بتفكيك تشكيلاتٍ عسكريةٍ قائمة، إلا أنّ مصر، بحسب تعبيره، “لديها محددات ثابتة تتعلق بأمنها القومي، ولن تتخلى عنها”.
ويشير سلطان إلى أنّ منع دخول المساعدات ومواد إعادة الإعمار والمساكن المؤقتة، بالتزامن مع عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، فاقم معاناة النازحين في ظل الشتاء والمنخفضات الجوية، ألقى بظلاله الثقيلة على العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتي لم تعد كما كانت منذ السابع من أكتوبر، غير أنّ التنسيق الأمني ما زال قائمًا لاعتبارات تتعلق بتنفيذ معاهدة “كامب ديفيد”، ولدور مصر المحوري والمؤثر في قطاع غزة.
ويضيف: “التوتر بات واضحًا، وظهر جليًا في أزمة معبر رفح، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض مشروع التهجير، بينما قادت مصر معركةً سياسيةً لإفشاله، رافضةً فتح المعبر من جانبٍ واحدٍ لخروج الفلسطينيين دون عودة، ومتمسكةً بنصّ الخطة الذي ينص على فتحه من الجانبين”.
ويشير إلى أنّ هذا الإخفاق الإسرائيلي انعكس في خطواتٍ وقراراتٍ تحمل طابعًا عدائيًا تجاه مصر، من بينها تعطيل أو عدم المضي في اتفاقات الغاز، والتحريض على القاهرة داخل دوائر قريبة من صنع القرار في إسرائيل، معتبرًا أنّ كل ذلك يعكس حجم التوتر القائم بين الطرفين.
ويصف الوضع الراهن بأن إسرائيل لم تُنهِ الحرب على قطاع غزة، بل أوقفت إطلاق النار اضطرارًا، نتيجة ضغوطٍ سياسية وعوامل دولية، بعدما أدركت أنّ ما سعت إليه تحت شعار النصر الكامل لم يتحقق.
ويعتبر الباحث السياسي المصري أنّ الخروقات الإسرائيلية للاتفاق تهدف إلى تقويض ما تبقّى من البنية القيادية والعسكرية لفصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، لافتًا إلى تل أبيب تشعر بأنها “خسرت كثيرًا” بوصولها إلى هذه المرحلة، وأنّ فصائل المقاومة تعيد بناء قدراتها، وهو ما يدفعها إلى ربط الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق بنزع سلاح حماس، وهو شرطٌ وصفه بأنّه “غير واقعي”، ويُستخدم كذريعةً للتلكؤ في تنفيذ الالتزامات، في ظل غياب ضغوطٍ حقيقية باستثناء جهود الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
نوصي للقراءة: عودة ترامب إلى البيت الأبيض: كيف ستتأثر مصر؟
لقاء نتنياهو ليس على أجندة السيسي
في السياق يرى الدكتور محمد العزبي، – خبير العلاقات الدولية-، أن أنباء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المحتملة إلى واشنطن في ديسمبر الجاري، تبدو محتملةً جدًا، مرجحًا أن تكون بهدف تعزيز العلاقات الإقليمية ودفع اتفاق السلام قدمًا، معتبرًا أنّ هذه الزيارة قد تمثل فرصةً إيجابيةً لمصر للضغط على الولايات المتحدة لتعزيز دورها كضامنٍ للاتفاق، في ظل التوترات القائمة، وقد تتضمن أيضًا مباحثاتٍ حول اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ، لاسيما في قطاع الطاقة.
وبشأن احتمال انضمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى لقاءٍ ثلاثيٍّ، يقول لـ”زاوية ثالثة”، إنّ هذا الاحتمال منخفضٌ نسبيًا، مشيرًا إلى أنّ مسؤولين مصريين أكدوا أنّ الرئيس السيسي لا يخطط حاليًا للقاء نتنياهو في ظل عدم حدوث تغييراتٍ جوهريةٍ في سلوك إسرائيل تجاه مصر، خاصة ما يتعلق بوقف الاستفزازات الحدودية.
ويضيف: “الولايات المتحدة تحاول ترتيب هذا اللقاء لتحسين العلاقات، إلا أنّ التوترات المصرية الإسرائيلية قد تحول دون انعقاده”، معتبرًا أنّ حدوثه، إن تم، قد يشكل خطوةً نحو الاستقرار، لكنه في الوقت ذاته ينطوي على مخاطر إذا لم يسفر عن تنازلاتٍ حقيقيةٍ من الجانب الإسرائيلي.
وكانت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، نقلت على لسان مسؤول بحكومة الاحتلال، أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لا يعتزم حاليًا لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسط تقارير تفيد بأن بنيامين نتنياهو يسعى جاهدًا لعقد هذا اللقاء، كاشفًا عن أن مصر انتقدت إسرائيل بشدة خلال الأشهر الماضية بسبب العديد من القضايا العالقة، مما يقلل من فرص لقاء السيسي بنتنياهو في أي وقت قريب، على الرغم من اهتمام تل أبيب وواشنطن بعقد قمة بينهما.
ويشير العزبي إلى وجود اتهاماتٍ مصريةٍ واضحةٍ لإسرائيل بعدم الالتزام الكامل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنّ موقف القاهرة يتسم بالحزم والرفض القاطع لأي مقترحاتٍ تتعلق بتهجير سكان قطاع غزة أو تغيير وضعه الجيوسياسي.
ويوضح أنّ مصر أبلغت الولايات المتحدة والوسطاء الدوليين برفضها لأي انتهاكاتٍ ترتكبها دولة الاحتلال، والتزامها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2803،) الصادر في نوفمبر الماضي، والذي يؤكد على حق العودة ويدعو إلى وقف الانتهاكات، كما استضافت اجتماعًا للوسطاء والضامنين لبحث سبل تعزيز الجهود المشتركة لتنفيذ الاتفاق.
ورغم تقديم واشنطن ضماناتٍ لحركة حماس بشأن إنهاء الحرب، وساهمت في جهود الوساطة بالتعاون مع تركيا، غير أنّ بعض المراقبين ينتقدون الموقف الأمريكي بسبب عدم ممارسة ضغطٍ كافٍ على إسرائيل لوقف الانتهاكات، ما يجعل الولايات المتحدة تبدو منحازةً جزئيًا، رغم دعمها المعلن لجهود السلام الدولية، بحسب العزبي، الذي يوضح أنّ التركيز الأمريكي الحالي ينصب على ملف إعادة الإعمار، إلا أنّ التنفيذ يعاني من تأخيرٍ واضحٍ نتيجة استمرار التوترات على الأرض.
وفيما يتعلق بالأنباء المتداولة حول احتمالية عقد لقاء مرتقب بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، يرى السفير محمد حجازي، – مساعد وزير الخارجية الأسبق-، أن الدولة المصرية وقيادتها، لن تتخذ مواقف أو قرارات لا تخدم الصالح العام للقضية الفلسطينية، وتعزز الأمن والاستقرار الإقليمي، رافضًا ما وصفه بـ”الانسياق وراء تسريبات إعلامية تستهدف التشويش على الدور المصري”.
ويعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن بعض التقارير المُسربة، لا سيما تلك المتعلقة بمحاولات فتح المعبر من جانب واحد، تنطوي على مساس بالسيادة المصرية، إلا أن القاهرة تتعامل معها بحكمة ووعي، وبمنطق الدقة والموضوعية، إدراكًا لثقل دورها في هذا الملف، مشيرًا إلى أن تكرار مثل هذه الأنباء في الآونة الأخيرة يعكس محاولات واضحة لتوتير مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية في مرحلة يصفها بأنه شديدة الدقة، وتشهد تحركات إقليمية ودولية مكثفة لدفع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة السلام.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن اليمين المتطرف الإسرائيلي، ومعه بعض الوسائل الإعلامية غير الموثوقة، يسعى إلى بث مثل هذه الأخبار بهدف توتير العلاقات الإقليمية وادعاء الدخول في صدامات مع الجيران، وهي مسارات لا تخدم إسرائيل ولا عملية السلام”.
ويؤكد الدبلوماسي المصري أن القاهرة قادرة على التعامل مع أي تطورات، حتى في حال صحت بعض هذه الادعاءات، عبر قنوات التنسيق القائمة، سواء على مستوى الحدود أو عبر التواصل المؤسسي بين الجانبين، بما يضمن توجيه الجهود كافة نحو الهدف الرئيسي المتمثل في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة السلام التي حظيت بتبني ودعم الأسرة الدولية.
وبالتزامن تواصل مصر تحركاتها واتصالاتها المكثفة على مختلف المستويات، بهدف الدفع نحو بدء تنفيذ بنود المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار والهدنة التي جرى التوافق عليها خلال قمة شرم الشيخ، استنادًا إلى خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام، والتي تبناها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2803 الصادر في 18 نوفمبر الماضي، -بحسب ما أفاد-.
وتأتي الأنباء المتداولة حول زيارة محتملة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن بوصفها حلقة محورية في مسار إقليمي شديد الحساسية، تتقاطع فيه تطورات المشهد الإنساني في غزة مع تصاعد التوترات غير المسبوقة في العلاقات المصرية–الإسرائيلية؛ فالقاهرة، التي تقود جهود الوساطة وتتحمل العبء الأكبر في ملف المساعدات ومنع التهجير، تجد نفسها في مواجهة سياسات إسرائيلية تُقوّض اتفاق وقف إطلاق النار وتمسّ مباشرة أمنها القومي، من خلال تعطيل المعابر، ورفض الانسحاب من محور فيلادلفيا، والسعي لفرض وقائع جديدة على الأرض.
ومن ثمّ، تبدو زيارة واشنطن، إن تمت، اختبارًا حاسمًا لقدرة الولايات المتحدة على إعادة ضبط سلوك حليفتها الإسرائيلية، وضمان الانتقال الجاد إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، بما يحفظ دور مصر، ويمنع انزلاق المنطقة إلى مربع التصعيد، ويضع حدًا لمعاناة غزة التي باتت رهينة حسابات سياسية وأمنية متضاربة.