close

معركة البرلمان: مرشحو الأمن الوطني ضد مرشحي المخابرات

خلف الكواليس، كشفت مصادر مطلعة لزاوية ثالثة أن قطاع الأمن الوطني استدعى خلال اليومين الماضيين مرشحين من الدوائر المثيرة للجدل، لمناقشة سيناريو إعادة الانتخابات والحصول على تعهد منهم بعد الانسحاب من المشهد الانتخابي
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

ألغت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج انتخابات مجلس النواب في 19 دائرة فردية من بين 70 دائرة أجريت فيها الانتخابات خلال المرحلة الأولى الأسبوع الماضي، أي ما يقترب من ربع النتائج المعلنة، وذلك بعد رصد ما وصفته الهيئة بـ”عيوب جوهرية” مست نزاهة عمليتي الاقتراع والفرز. 

وجاء القرار، الذي أعلنه رئيس الهيئة المستشار حازم بدوي في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، ليشمل دوائر شهدت خروقات انتخابية واسعة أو تضاربًا في محاضر الحصر العددي أخلّ بسلامة العملية الانتخابية.

الوقائع التي استدعت الإبطال شملت خروقات دعائية أمام اللجان، وعدم تسليم محاضر الحصر للمرشحين أو مندوبيهم، فضلًا عن تفاوت ملحوظ بين أرقام اللجان الفرعية والعامة، وهي مخالفات اعتبرتها الهيئة كفيلة بإهدار سلامة النتيجة في الدوائر الملغاة،  في المقابل أكد المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات في تصريحات له أن الهيئة لم ترصد وجود وقائع رشوة مالية لأي مرشح، إلا أن التحقيقات مستمرة في شأن المخالفات المرصودة في الدوائر الـ19، وسيتم الإعلان عن نتائجها فور الانتهاء منها.

بص وبناءً على المادة 54 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، صدر قرار الإلغاء الكامل للانتخابات الفردية في هذه الدوائر، وتحديد موعد جديد للاقتراع مطلع ديسمبر المقبل داخل مصر وخارجها.

وتصدّرت إمبابة بمحافظة الجيزة قائمة الدوائر الملغاة، وهي الدائرة التي أعلنت فيها النائبة السابقة نشوى الديب انسحابها من السباق بعد وقت قصير من بدء التصويت، احتجاجًا على ما وصفته غياب ضمانات النزاهة ووجود مرشح للأمن في الدائرة. كما أُلغيت نتائج أربع دوائر في محافظة قنا، وسبع دوائر في محافظة سوهاج جنوب الصعيد، فضلًا عن دائرتين في محافظة الفيوم، ودائرة واحدة في محافظة أسيوط، ودائرة في محافظة الإسكندرية، إلى جانب ثلاث دوائر في محافظة البحيرة.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين، الهيئة الوطنية للانتخابات إلى التدقيق في الأحداث التي شهدتها بعض الدوائر التي جرت فيها منافسة على المقاعد الفردية خلال المرحلة الأولى، وإلغاء نتائج هذه المرحلة “كليًا أو جزئيًا” إذا تعذّر “الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية”، وذلك قبل يوم واحد من إعلان النتائج الرسمية. وطالب السيسي الهيئة بألا تتردد في اتخاذ القرار المناسب، سواء بإلغاء المرحلة بالكامل أو إلغاء نتائج دائرة أو أكثر على أن تُعاد الانتخابات فيها لاحقًا، مؤكدًا أن سلامة العملية الانتخابية تأتي في المقام الأول.

وشهدت المرحلة الأولى عددًا من الأزمات التي وثقت عبر مقاطع مصورة ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء من بينها انسحاب النائبة السابقة نشوى الديب من دائرة إمبابة بعد ساعة من فتح باب الاقتراع، احتجاجًا على ما وصفته بـ”غياب النزاهة والشفافية وحسم المقاعد مسبقًا لمرشح الأمن”. بالإضافة إلى أزمة أخرى في دائرة المنتزه بالإسكندرية، بعدما استغاث المرشح عن حزب الإصلاح والنهضة أحمد فتحي عبد الكريم بالرئيس عقب اكتشاف فتح عدد من صناديق الاقتراع داخل لجنة مدرسـة مصطفى مشرفة وتفريغها من استمارات التصويت قبل موعد الفرز، في واقعة اعتبرها دليلًا على احتمال التلاعب في الصناديق.

فضلًا عن ذلك، أثارت واقعة المرشح محمود جويلي جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، بعدما تقدم باستغاثة إلى رئيس الجمهورية قال فيها إنه تعرض لمحاولات لعرض مبالغ مالية داخل دائرة التجمع الخامس بهدف التأثير على موقفه في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وبعد ساعات من نشر الاستغاثة، أُلقي القبض على جويلي وظل مختفيًا لعدة ساعات قبل أن تُخلي جهات التحقيق في نيابات القاهرة الجديدة سبيله، عقب التحقيق معه في اتهامات بـ نشر أخبار كاذبة.

في المقابل، أكد نادي قضاة مصر أن القضاة وأعضاء النيابة العامة لم يتولوا الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرًا لعام 2025، وذلك التزامًا بأحكام الدستور التي تنظم مشاركة القضاة في الاستحقاقات الانتخابية وفقًا لما يقرره القانون.

وثمّن النادي، في بيان رسمي حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، توجيهات رئيس الجمهورية للهيئة الوطنية للانتخابات، والتي شددت على ضرورة ضمان وصول الإرادة الحقيقية للناخبين واتخاذ القرارات المناسبة في حال تعذر ذلك، معتبرًا أن هذه التوجيهات تعكس التزام الدولة بمبادئ النزاهة والشفافية في إدارة العملية الانتخابية.


نوصي للقراءة:
70 مليون للمقعد: من يشتري طريقه إلى برلمان مصر؟

محاولات للترقيع

كشفت مصادر مطلعة لـ زاوية ثالثة أنه خلال اليومين الماضيين استدعى قطاع الأمن الوطني عددًا من المرشحين في الدوائر التي شهدت جدلًا واسعًا ووقائع معلنة تتعلق بسير العملية الانتخابية. وبحسب المصادر، جاء الاستدعاء في إطار مناقشة احتمالات إعادة الانتخابات في تلك الدوائر، مع الحصول على تعهّد من المرشحين بأنه في حال صدور قرار بالإعادة لن يسحبوا أوراق ترشحهم وسيخوضون الانتخابات مرة أخرى.

وأضافت المصادر أن هذا السيناريو هو ما حدث مع النائبة السابقة نشوى الديب، التي أعلنت – عقب بيان رئيس الجمهورية – استعدادها للترشح مجددًا إذا تقرر إعادة الانتخابات.

وأوضحت المصادر أن الأزمة التي شهدتها بعض الدوائر، والتي أثارت غضبًا واسعًا، تمثلت في سيطرة مرشحي الأمن الوطني على مجريات الانتخابات، طالت المرشحين المدعومين من جهات أخرى، بما في ذلك المخابرات العامة. وأشارت المصادر إلى أن حزب الأغلبية ( مستقبل وطن الموالي)، قام بعدد من التجاوزات ضد مرشحين آخرين مدعومين من جهات سيادية أخرى.

وبحسب المصادر، فإن ما شهدته المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية تسبب في حالة من التوتر داخل أروقة النظام، مع وصول تحذيرات إلى القصر الجمهوري بشأن حالة الغضب والقلق التي يشهدها الشارع المصري على خلفية مجريات الانتخابات. وأوضحت المصادر أن هذا الوضع هو ما دفع الرئيس للتدخل في محاولة لاحتواء الغضب والأزمة قبل تفاقمها.

 من جهته يرى الكاتب الصحفي هشام فؤاد، أن المشكلة ليست في 19 دائرة فقط، بل في هندسة الانتخابات ذاتها، بداية من المناخ السياسي الذي أُجريت فيه، مرورًا بقانون الانتخابات وطريقة اختيار القوائم، وصولًا إلى قبول أو رفض المرشحين. وما يحدث مجرد تجميل لواقع قبيح وليس تصحيحًا لمسار العملية الانتخابية.

ويضيف فؤاد في حديثه لزاوية ثالثة أن تصحيح المسار يستلزم إلغاء الانتخابات وإجرائها على أسس مختلفة تمامًا، ويستلزم كذلك حل الهيئة الوطنية للانتخابات، إلى جانب محاسبة المسؤولين عن التجاوزات التي حدثت، لأن حمايتهم تعني إطلاق يدهم لارتكابها مرة أخرى. مشيرًا إلى أن هذه خطوة تهدف إلى منح الرئيس شعبية باعتباره يرفض ما جرى بالضبط، كما حدث أثناء تمرير قانون الإجراءات الجنائية. رغم أن الرئيس  نفسه لم ينفذ توصيات الحوار الوطني التي كان من أهمها توفير ضمانات لإجراء انتخابات ديمقراطية، مثل القائمة النسبية، والإشراف القضائي الكامل، وتوفير مناخ سياسي يسمح بالعمل السياسي في الشارع، وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

ويرى فؤاد أن جهات في الدولة، في إطار صراعها مع جهات أخرى، قررت التدخل لترميم معسكر الموالاة الذي أصيب بتشققات نتيجة التعامل الخشن للجهة الأمنية التي أشرفت على الانتخابات بغشومية وعدم مراعاة حساسية برلمان الذي سيشرف على  التعديلات الدستورية المقبل. وبهذه الخطوة، تم ضرب عصفورين بحجر واحد: أولًا إزاحة بشكل نسبي للجهاز الأمني الذي استحوذ على معظم المقاعد من خلال أحزاب الموالاة والقائمة المغلقة، وثانيًا منح الرئيس شعبية يحتاجها في الوقت الحالي وقبل تعديل الدستور، بالإضافة إلى تعزيز آمال بعض المعارضة الشكلية بإمكانية الإصلاح من أعلى وعبر التحالف مع مؤسسة الرئاسة والجهاز الأمني الآخر.

الجدير بالذكر أن اللواء تامر الشهاوي الضابط السابق بالمخابرات الحربية وعضو مجلس النواب سابقا، دون عبر صفحته على الفيسبوك، تدوينة أثارت جدلًا كبيرًا بعدما قال:” رداً على الاسئلة الكثيرة التى تصلنى بشأن الانتخابات البرلمانية “غير مهتم نهائيًا. ولا أتابع أي منافسات اعلم مسبقاً نتيجتها..ولا انصح احد بمرشح عن آخر لأنها نصيحة حتى ان كانت فى محلها لكنها لن تجدى نفعاً لأحد .. وانصح الجميع بالمشاركة حتى وان كانت بلا جدوى لأن النتائج ليست فى علم الغيب ..والسواد الأعظم ممن سيحلفون اليمين فى المجالس النيابية لو ترشحوا لأي انتخابات حقيقية حتى لو كانت انتخابات اتحاد الشاغلين فى  عمارتهم لسقطوا …عبث سندفع ثمنه لاحقاً “.

هل قرارات الهيئة العليا كافية؟

على الرغم من إلغاء نتائج 19 دائرة انتخابية خلال المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، والتي تمثل نحو ربع إجمالي الدوائر المشاركة لأول مرة في تاريخ الانتخابات المصرية، لم تسهم هذه الخطوة في تهدئة الجدل حول نزاهة العملية الانتخابية. وأكدت مصادر مطلعة لزاوية ثالثة أن عددًا من المحامين والمواطنين يستعدون لتقديم شكاوى جديدة بشأن خروقات وانتهاكات رصدت في الدوائر التي جرى حسم نتائجها، ما يعكس استمرار القلق العام والاحتقان السياسي حول شفافية ومصداقية الانتخابات.

في السياق، يرى مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في حديثه لزاوية ثالثة، أن قرار الهيئة بإلغاء 19 دائرة غير كافي على الإطلاق،  مؤكدًا أن العملية الانتخابية برمتها غير عادلة ولا شفافة، وأنها غير قادرة على تمثيل إرادة المواطنين الحقيقية. وأوضح أن العدالة الانتخابية ترتبط أولًا بإتاحة الفرصة الحقيقية للمواطنين للترشح والمنافسة، وليس فقط بمرحلة التصويت أو الفرز.

ويشير الزاهد إلى أن نظام القوائم المطلقة أدى إلى استحواذ قوائم وحيدة على جميع الدوائر، مستبعدًا باقي القوائم، بما يجعل نصف المجلس تقريبًا مشكلاً بما يشبه التعيين، وليس عبر تمثيل إرادة الناخبين. كما يلفت إلى أن رسوم الترشح المرتفعة – التي وصلت إلى نحو 40 ألف جنيه-  حرمت شريحة كبيرة من المواطنين من فرصة المنافسة، مشيرًا إلى أن ذلك يحجب المشاركة ويعطل مبدأ تكافؤ الفرص.

كما يرى الزاهد أن تقسيم الدوائر في الانتخابات الفردية كان متأثرًا بعوامل غير عادلة، إذ توجد دوائر صغيرة لها نائب واحد، ودوائر أكبر لها نائبين، وهو ما يخالف معايير التكافؤ في وزن صوت الناخب التي أقرتها المحكمة الدستورية العليا. وأكد أن هذا التقسيم أدى إلى حرمان بعض الدوائر من تمثيل مناسب وعدالة في التمثيل النيابي.

كما يشير إلى التعسف ضد المرشحين قبل بدء الترشح، مستشهدًا بحالة هيثم الحريري، الذي حُرم من الترشح رغم تأهيله القانوني، وحرمانه من أداء الخدمة العسكرية لأسباب إدارية، رغم تاريخه السياسي وعائلته الوطنية. وذكر أيضًا حالة محمد عبد الحليم، الذي وُصف زورًا بأنه متعاطٍ لمخدرات، وهو ما منع المواطنين من ممارسة حقهم في المشاركة السياسية بشكل حر. ويؤكد أن المال السياسي لعب دورًا كبيرًا في تعطيل الإرادة الحرة للناخبين، وأن قيود حرية الإعلام واستقلال القضاء أثرت سلبًا على نزاهة العملية الانتخابية، مشيرًا إلى أن هذه العوامل جميعها تهدد استقرار العملية السياسية والأمن الوطني.

ويختم الزاهد بالقول إنه إذا كانت هناك نية للإصلاح، فيجب إعادة الانتخابات بالكامل تحت مناخ قانوني جديد، مع تبني نظام القوائم النسبية الذي يحقق تمثيلًا أكثر عدالة لجميع الأطراف في المجتمع، ويضمن احترام إرادة المواطنين الحرة.

من جهته يعتبر محمد الجارحي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية لعام 2025، قرار منقوص ويختزل ما جرى في الحياة السياسية خلال الأشهر الأخيرة في بنود محدودة ودوائر قليلة. وأوضح أن القرار لم يعالج الجوهر، مشيرًا إلى أن إعادة الانتخابات بالكامل كانت ستكون الحل الأمثل لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.

ويضيف الجارحي في حديثه لزاوية ثالثة أن النظام الانتخابي الحالي يؤدي إلى تعيين نصف مقاعد البرلمان تقريبًا من خلال القوائم، مشيرًا إلى أن القائمة الوحيدة المتاحة في مصر لا توفر أي منافسة حقيقية، ما يحرم الناخبين من الاختيار الحر ويحد من تمثيل إرادتهم. في المقابل واجه مرشحي الفردي تجاوزات قبل بدء التصويت، منها حجز أرقامهم ورموزهم الانتخابية للأحزاب أو المرشحين المرتبطين بالدولة والأجهزة الأمنية، ومنع غيرهم من المنافسة، إضافة إلى استبعاد عدد من المرشحين دون وجود ضمانات واضحة وعلنية لنزاهة الانتخابات. وأشار إلى أن هذا فقدان الثقة في نزاهة العملية الانتخابية تسبب في عزوف مرشحين حقيقيين عن الترشح.

كما نبه عضو مجلس الصحفيين إلى انتشار ظاهرة شراء المقاعد أو الكراسي الانتخابية، حيث يدخل المرشحون القوائم دون القيام بأي دعاية حقيقية، ويستفيد رجال الأعمال وأبناؤهم من حصص القوائم المخصصة للنساء والأقباط وذوي الإعاقة. وأشار كذلك إلى نقل مرشحين إلى دوائر لا تربطهم بها أي علاقة، لمجرد تسكينهم، وهو ما يعد إخلالًا بحق السكان في تمثيل أنفسهم.

يتابع الجارحي أن هذه الخروقات – وفقًا لوصفه- لم تقتصر على انتخابات النواب، بل شملت أيضًا انتخابات مجلس الشيوخ دون أي معالجة أو مساءلة، مؤكدًا أن ما صدر من الهيئة كان مجرد مسكنات، وأن العملية الانتخابية في مصر بحاجة إلى إعادة نظر شاملة.

ويشدد الجارحي على أن غياب انتخابات المحليات منذ عام 2013 أثر سلبًا على بناء قيادات حقيقية، مشيرًا إلى أنها كانت وما زالت الطريق لتكوين نواب حقيقيين يمثلون المواطنين، بعيدًا عن تمثيل صوت واحد فقط. وأوضح أن ضعف أداء البرلمان خلال السنوات العشر الماضية يعكس هذه الثغرات في العملية الديمقراطية.

 

نوصي للقراءة: تقرير سيادي حذر من استياء شعبي.. ماذا وراء حديث الرئيس عن المخالفات الانتخابية؟

هل قامت  اللجنة العليا للانتخابات بدورها؟

خلال إجراءات المرحلة الأولى من الانتخابات وقبل إعلان نتائجها، وأيضًا قبل بيان الرئيس الذي دعا إلى التحقيق في التجاوزات، أكد المستشار أحمد بنداري أن الهيئة الوطنية للانتخابات لم ترصد أية تجاوزات خلال عمليات التصويت. هذا التصريح أثار جدلًا واسعًا حول مصداقيته، خاصة في ظل الشكاوى والانتهاكات التي رُصدت لاحقًا في عدد من الدوائر الانتخابية. كما أثار عدم الإفصاح عن الجهة المسؤولة عن تلك الخروقات، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، تساؤلات متزايدة بين السياسيين والمراقبين حول جدية الهيئة في حماية نزاهة العملية الانتخابية.

من جهته يوضح المحامي الحقوقي مالك عدلي والمدير التنفيذي للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الهيئة الوطنية للانتخابات تمتلك اختصاصًا مزدوجًا في مواجهة المخالفات الانتخابية. أولا اختصاص إداري بمعنى: إلغاء الانتخابات أو دوائر معينة، استبعاد مرشحين، أو إلغاء صناديق فرز أو لجان فرعية، وذلك لضمان صحة إجراءات الاقتراع والفرز. أما المخالفات التي تشكل جرائم انتخابية، مثل التلاعب بالبطاقات أو عرض أموال على الناخبين، فتبقى اختصاص النيابة العامة، حيث تقوم الهيئة بإحالة المتورطين مع الأدلة القانونية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، لكنها لا تملك سلطة التحقيق أو المحاكمة القضائية المباشرة.

ويشير المحامي الحقوقي في حديثه لزاوية ثالثة إلى أن المخالفات تُصنّف إلى فئتين:”مخالفات إدارية: أخطاء في العد أو الفرز، منع مندوب المرشح من متابعة الفرز، أو فتح/إغلاق اللجان في أوقات غير قانونية. الهيئة تتخذ قراراتها بشأن هذه المخالفات لضمان سير العملية الانتخابية بشكل سليم.” و”مخالفات جنائية: أفعال تُعد جرائم انتخابية وفق القانون، مثل تزوير بطاقات التصويت أو شراء الأصوات، التي يتم إحالتها للنيابة العامة للتحقيق، بناءً على ملفات الشكاوى والتظلمات المصحوبة بالأدلة المرئية والمكتوبة”.

ولفت عدلي إلى أن بعض المتورطين الذين تشكل أفعالهم جرائم جنائية جديدة قد يكونون من أعضاء هيئات مثل النيابة الإدارية وقضايا الدولة ما يستلزم من الهيئة مخاطبة جهاتهم القانونية لاتخاذ إجراءات رفع الحصانة قبل تمكين النيابة من التحقيق.   

وأكد المحامي الحقوقي أن الهيئة ملزمة بالكشف عن تفاصيل المخالفات، وقد أعلنت عنها بالفعل خلال مؤتمرها الصحفي، مثل توزيع الدعاية أمام اللجان وأخطاء في العد أو الفرز، وهو ما دفعها لإلغاء نتائج بعض الدوائر، فيما لم تُلغَ انتخابات دوائر أخرى لأن المخالفات لم تُثر تأثيرًا جوهريًا على النتائج النهائية.

في السياق تقول المحامية والحقوقية سوزان ندى،  إن الهيئة الوطنية للانتخابات أظهرت افتقادًا واضحًا للحياد في عدد كبير من اللجان الانتخابية. وتضيف في حديثها لزاوية ثالثة أن أبرز مظاهر الخلل بدأت من إلغاء ترشح عدد من المرشحين لأسباب غير واضحة أو غريبة، مثل عدم الإعفاء من أداء الخدمة العسكرية أو استمرار الاحتياطيين في قوائم التجنيد، وأحيانًا استهداف بعض النواب باتهامات غير دقيقة بتعاطي مواد مخدرة.

ولفتت ندى إلى أن توجيهات رئيس الجمهورية الأخيرة بشأن ضرورة الحياد والشفافية، الصادرة عن رأس السلطة التنفيذية، أثارت تساؤلات حول استقلالية اللجنة القضائية وقدرتها على إدارة العملية الانتخابية بحرية وحياد.

وأضافت ندى حول إعادة الانتخابات: “هناك أمل في تعزيز الشفافية، واتخاذ إجراءات حقيقية لضمان نزاهة العملية الانتخابية، ومنع تكرار التجاوزات السابقة، مثل مراقبة حجم الإنفاق الانتخابي ومنع استغلال احتياجات المواطنين لشراء أصواتهم، وهو ما وصل في بعض الدوائر إلى تسعيرة صوت تتراوح بين 200 و500 جنيه أو سلع أساسية، وهو أمر مشين للمواطن والدولة على حد سواء. ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال لضمان عدم تكرارها”.

محاسبة المتورطين؟

رغم الحديث عن تجاوزات وخروقات انتخابية، لم تحدد الهيئة الوطنية للانتخابات بعد المسؤول عن تلك الانتهاكات، ولم يتضح ما إذا كانت ستتخذ أية إجراءات لضمان عدم تكرارها. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور فريدي البياضي عضو مجلس النواب السابق والمرشح الحالي عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي” أنه رغم التقدير للإجراءات التي تم اتخاذها على خلفية دعوة الرئيس، لكن هناك أمر أساسي لا يمكن تجاهله: ضرورة إعلان طبيعة المخالفات التي حدثت ومحاسبة كل من تورّط فيها- أيًا كان موقعه-  سواء كانوا مرشحين أو ناخبين أو مشرفين أو أي مسؤول شارك أو تغاضى.”

ويوضح البياضي في حديثه لزاوية ثالثة أن عدم كشف الحقائق ومحاسبة المخطئين يترك الباب مفتوحًا لتكرار نفس التجاوزات في كل استحقاق انتخابي، مشددًا على أن: “من غير كشف الحقائق ومحاسبة المخطئ، لن يكون هناك رادع حقيقي. الشفافية الكاملة ليست خيارًا، بل هي الضمان الوحيد لاحترام إرادة الناس وصون نزاهة العملية الانتخابية.” ويختتم النائب تصريحه بالتأكيد على أن الشعب المصري يستحق عملية انتخابية نزيهة وشفافة، دون أي استثناءات أو تجاوزات.

الأمر نفسه يؤكد عليه الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين ووكيل النقابة، إذ يرى أن هناك ضرورة “لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات – سواء كانوا مرشحين أو أي أطراف أخرى متورطة في العملية الانتخابية منذ بدايتها وحتى إجراء الحصر العددي في اللجان ، لأن العقوبة جزء من فلسفة الردع الانتخابي”.

ويتمنى وكيل نقابة الصحفيين: أن يتم الإعلان عن المسؤولين عن ارتكاب هذه المخالفات وإحالتهم إلى جهات التحقيق ومجازاتهم، لتحقيق فلسفة الردع. كما يتمنى أن يحدث ذلك في أقرب فرصة، قبل انطلاق المرحلة الثانية أو إعادة الانتخابات.

وحول ما تبقى من العملية الانتخابية، يوضح عبد الحفيظ أن التدخل الرئاسي ومراجعة نتائج الدوائر المتأثرة سيؤثر على الإجراءات التنظيمية للمرحلة الثانية ومرحلة الإعادة، مثل ضبط الدعاية الانتخابية، وتمكين المندوبين من حضور الفرز، وتسليم الحصر العددي للجان الفرعية.

لكن وكيل نقابة الصحفيين، الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ،شدد على أن الإجراءات المتخذة لن تغيّر الجوهر السياسي للعملية الانتخابية، مؤكدًا:”هذه الخطوات لن تؤدي إلى برلمان يعكس إرادة المواطنين بالكامل، بل ستنتج برلمانًا تهيمن عليه الموالاة، بسبب قانون الانتخابات الذي أقرّ القائمة المطلقة وحرم المعارضة من تمثيل نفسها عبر القائمة النسبية. سنواجه برلمانًا مشابهًا لما حدث في 2015 و2020، برلمانًا مواليًا للسلطة أكثر مما يعبر عن المواطنين. والأصل أن تساءل البرلمانات الحكومات نيابة عن الشعب، لكن هذا البرلمان سيستمر في الانحياز للحكومة على حساب الناس.”

وكان المستشار حازم بدوي، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، قد أعلن عن فوز القائمة الوطنية من أجل مصر في دوائر شمال ووسط وجنوب الصعيد بانتخابات النواب 2025، بعد حصولها على نسبة أكثر من 5%.  فيما بلغ عدد الناخبين الذين رفضوا القائمة الوطنية من أجل مصر نحو 588,016 صوتًا، ما يمثل 7% من إجمالي المصوتين البالغ عددهم 8,323,873 صوتًا، وحوالي 2% من إجمالي الناخبين المسجلين البالغ عددهم 35,279,922 ناخبًا.

وتعتبر القائمة الوطنية من أجل مصر  الوحيدة التي خاضت الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة المطلقة وشارك فيها عددًا من أحزاب الموالاة مثل مستقبل وطن وحماة وطن وحزب الجبهة الوطنية إلى جانب العدل والوفد والمصري الديمقراطي والإصلاح والتنمية وتنسيقية شباب الأحزاب. 

رغم إلغاء نتائج 19 دائرة انتخابية وإعادة الاقتراع في ديسمبر المقبل والاستعداد للمرحلة الثانية في الانتخابات البرلمانية، يظل الجدل محتدمًا حول نزاهة وحيادية العملية الانتخابية في مصر. مصادر حقوقية وقانونية ومراقبون مستقلون يشددون على ضرورة محاسبة المسؤولين عن التجاوزات وتطبيق مبادئ الشفافية الكاملة لضمان احترام إرادة الناخبين، مؤكدين أن القرارات الإدارية وحدها لا تكفي لتهيئة مناخ انتخابي يعكس الإرادة الحقيقية للشعب. والسؤال الآن: هل ستنجح هذه التعديلات والإجراءات التي اتخذتها الهيئة العليا في إرضاء المواطنين وتهدئة الأجواء وإفراز برلمان يعبر عن المواطنين؟ أم أن البرلمان القادم سيظل مرتهنًا للقوانين التي قيدت التمثيل الحر للمعارضة؟ 

Search