احمد زكي وثورة يناير .. بين منتصر ويحيي ابودبورة

343

منتصر فيلم الهروب 

يحيي ابودبورة فيلم ارض الخوف 

الاول للمخر عاطف الطيب والتاني لداوود عبدالسيد ، كل واحد فيهم هو درة التاج في حياة صاحبه ، اجمل افلامه واقربها الي فلسفته ودافعه الفني اللي بيخليه يشتغل ويبدع 


في الهروب قصة انتقام عادية فجأة تحولت لحديث المدينة وبقا منتصر الشاب الصعيدي اللي عاوز ينتقم لشرفه ، بطل قومي في عيون الناس ، القصة دي تشبه كتير قصة سعيد مهران في فيلم اللص والكلاب المأخوذ عن رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ ، مش بس مجرد شبه ، دا اقرب للتطابق مه اختلاف الزمن ، سعيد ومنتصر الاتنين بيسعو الانتقام لشرفهم ، سعيد ومنتصر ليهم صديق قديم بقا من رموز المجتمع ، بقا فاسد ومسيطر وبيحاول التخلص من ماضيه القذر 

سعيد ومنتصر الاتنين في ظل هروبهم والمطاردة يلاقوا الدفا والامان في حضن بنت ليل / راقصة ، يلاقوا الحب والرحمة 


لكن الاختلاف نفسه في الزمن ، زمن عبدالناصر وزمن السادات ، زمن الاشتراكية والتأميم والمنابر الاعلامية الضخمة اللي بتحشد الجماهير وزمن المصلحة والانفتاح وادفع عشان تعدي 

في اللص والكلاب كان جرس الانذار بيشير لرجال السلطة المدعين زي رؤوف علوان واثرهم علي افشال الثورة وضياع نتائجها 

اما الهروب فكان اعلان حرب ، ثورة فردية ضد رموز الفساد ، اعداء منتصر مش مجرد اعداء ، صاحبه اللي لفق له قضية مخدرات بقا رجل اعمال في بيه يجتمع الوزرا والسياسيين ويمتعهم بالسهرات الحمرا ، الست اللي غوت مراته وشغلتها في الدعارة مديرة مدرسة للفتيات ، مربية اجيال وقوادة ، صاحبه المحاسب اللي خد منه الفين جنيه وتناساهم وهو في السجن ، بقا تاجر عملة بيخرب الاقتصاد ، عاطف الطيب جعل من منتصر انتحاري ، ثوري يوجه انفجاره وغضبه ضد اللي سرقوا مصر وخربوها 

عاطف الطيب من اذكي الفرسان في تاريخ السينما ، مثلا في الهروب  كانت اشارة مبكرة وذكية جدا الي الاسلاميين واللعب السياسي بيهم ، الضابط محمد وفيق الراجع من امريكا ، البراجماتي للغاية ، الوصولي اللي دراسته كانت عن الارهاب ، عاطف الطيب اتكلم عن الارهاب كظاهرة ، كفكرة وخدعة بتتطور في مخيلة الانظمة للسيطرة علي المجتمعات وايضا تخريبها 

عاطف الطيب كان لماح في نقطة الحجاب وثقافته اللي غزت المجتمع المصري ، كان اول من اتكلم عن مافيا التعويضات وعساكر المركزي 

عاطف كان مبشر بثورة يناير ، داعي الي الانفجار ، في كل افلامه البطل طيب ومظلوم بسبب المجتمع الفاسد وبينفجر فيهم ، عاطف الطيب مات في التسعينات ، قب ثورة يناير بزمن ، الثورة اللي هو بشر بيها في اول افلامه سواق الاتوبيس والاسطي حسن بيصرخ في ميدان التحرير يا ولاد الكلب !! 


لكن مع ثورة يناير ، لقينا نفسنا فجأة خرجنا من عالم عاطف الطيب ، لعالم مختلف تماما ، عالم له فلسفة اكتر من عواطف ، عالم بيتقبل الشر ويعاشرت ويكر في قيمته الوجودية ، عالم ارض الخوف " داوود عبد السيد " 

داوود عبد السيد من جيل عاطف الطيب ، مدرسة الواقعية الجديدة  ، المغرمة بالشوارع والناس والمشاهد الحية واللقطات الصعبة المسروقة من وسط الزحمة ، بدأ داوود مشواره بفيلم الصعاليك ، عن اتنين صعاليك فجأة مه الانفتاح والاستيراد والتصدير بقا رجال اعمال ، فيلم بيحكي عن الفساد وتدهور المجتمع ما يختلفش كتير 

لكن بعده طريق داوود اتغير ، خد منحني آخر ، بقا وجودي ، باحث عن ذاته وعن المعني ، معني الحياة وقيمتها ، اسئلته قاسية لكنها همة ، في عالم داوود ما فيش انفتاح وفساد مجتمعي وشرطة باطشة الا بقدر تأثيرا علي الانسان وآذاها، في عالم داوود البحث دائما مستمر ، ودائما هناك امل ، امل يشبه الرغبة في الحياة ، ابطاله دايما يتحركوا بأمل الوصول في احلك الظروف ، المهم الرحلة ، الطريق ، الامل ، الوصول 


في ارض الخوف ، قصة يحيي المنقبادي ، ضابط الشرطة اللي يسيب حياته عشن يتزرع كتاجر مخدرات ، يدخل العالم الاسود من اوسع ابوابه لكنه رسول خير هادف لتنويره وهدمه 


" يحيي " اسمه من الحياة ، من محاولة الحياة تحديدا ، يبدأ " مهمته " بلطجي في كباريه ، يتجوز الرقاصة ، يهرب ابن تاجر مخدرات من السجن ويدخل عالم تجارة الكيف ، وكان لابد من واقعة قاسية ومشهورة لاجل ما يون معلم ، يقتل تاجر مخدرات كبير وصبيانه ، يقتلهم قي مشهد بديع شجر ومزيكا جنائزية وغربان بتنعق ، مزيكا تشبه تقديم القرابين لآلهة وثنية هكذا يصفها داوود عبدالسيد في السيناريو ، كأن يحيي عشن يدخل عالم الشر لابد من تقديم قربان ، الشر هنا كأنه اله ، مكون من مكونات الوجود ودافع لحركة التاريخ ، له وظيفته المقدسة 


يحيي مازال مقتنع انه بيأدي مهمته ، لكنها صارت حياة ، معلم ثري وقاتل وعنده اكتئاب ، يقابل " هدهد " معلم الباطنية ، هدهد يشوف في عينيه نبل وطيبة وغموض ، يحبه لانه يشبهه ، عندت شوية حاجات حلوة في قلبه ، يبقوا اصحاب وهدهد زي رسول ، زي اشارة ، زي شيخ عجوز في مملكة الشر يفهمه يعني ايه الحياة 

يقول انت معلم بس لابس بدلة وبنطلون ، المعلمة مش تجارة ، دي حياة ، انت ليه حزين ، انت لازم تتجوز ، لازم تتمتع وتتهني ، ويجوزه " هناء " 

يبتدي مع الهناء يشعر انه في حياة بجد مش مجرد مهمة . يسعي للحب ، يسعي للست اللي فتنته ، يسعي وهو المعلم والقاتل المتصالح الي حد ما مع مهمته الجديدة 

يحيي بيحاول يعيش ، بيحاول يتقبل الشر ،بيكتب تقاريره للجهات اللي كلفته بالمهمة من سنين ، لكن فجأة الخطر يزيد ، تجارة الهيروين المدمرة ، هدهد يرفضها ، والمعلمين واه ، يتعرضوا لمحاولة اغتيال ، هدهد رفض لان شره له حدود ، شره منظم لحياته وملكته ، هو بياع كيف ، مش سم 

فجأة يتخلص يحيي من تجار الهيروين الجدد ، يقتلهم ، تنهار مملكته ، يبقي مطارد من الجميع ، يتواصل مع قادته القدام ، يكتشف انه منسي تماما من وقت موت رئيسه في العمل ، يتعرض للاغتيال ، هدهد يمسكه ، يقيده قدامه. يسأله انت فعلا قتلتهم ، فيعترف ، ساعتها هدهد ينفجر ، يقول غبي ، كنت فاكر انك اذكي من كدا ، دول نظام ، اخطبوط بالف ذراع ، هتقطع واحد هيطلع لك عشرة ، دا نظام وحاكم ، نظام مسيطر ، ما ينفعش نهده ، لازم نتصالح معاه ، انت من النهاردة انتهيت ، انت غبي ، ما فهمتش اللعة ، عشان كدا مالكش وجود في عالمنا ، عالم الشر 


انا مش هقتلك

لاني حبيتك 

بعدها يرجع يحيي عالمه من جديد ، ضابط شرطة متقاعد ، يعاني الملل والوحدة ، وبداخله الاشواق لارض الشر ، لارض يعاشر فيها الشر فيعرف نفسه ، يعرف انه جواه الخير ، فيختاره ويتخلص من تجار المخدرات الجدد ، يحيي مشتاق لارض الخوف 


مع ثورة يناير ، عرفنا ان الحياة مش ابيض واسود ، ان السئ مرفوض لكن الرفض مش معناه ان قادر علي صنع الافضل ، ان منتصر كان صح ، لكن كلنا مش قادرين نكون منتصر بنهايته الملحمية ، احنا عاوزين نعيش ، ممكن تبقي زي يحيي غير قادرين علي هدم عالم الشر ،لكن متبلينه ، متصالحين مه وجودت ، بنفرز نفسنا قدامه ونتمتع بتفاصيلنا الصغيرة الهنء والحب والحياة وساعة الاختيار الحقيقي نختار بجد ، زي ما يحبي اختار التخلص من تجار الهيروين 


" انت لسا جوايا ظابط بوليس " 

انا لسا جوايا نور رغم اني في نفق مظلم

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك