بعد سقوط البشير.. إلى أين يتجه السودان؟

746


في 11 ابريل 2019، نزل آلاف السودانيينإلى الشوارع متجهي إلى محيط " القيادة العامة للقوات المسلحة" بالخرطوم، بدعوةأطلقها "تجمع المهنيين السودانيين" عبر شبكات التواصل الإجتماعي، للمطالبة بـ "الحرية، والسلام، والعدالة"،وسرعان ما تحول الآلاف الى ملايين يهتفون ضد البشير ونظامه بـ " تسقط بس"، وواجهت تلك التظاهرات محاولات عديدة منقوات الأمن لتفريقها باستخدام القوة، والتي اسفرتالى سقوط العديد من القتلى والمصابين، مما أدى ذلك الى تدخلالجيش، وتخليه عن الرئيس السابق،ونقل السلطة الى المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق اول عوض بن عوف.

بالطبع لم يأت هذا القرار من فراغ أو بين عشية وضحاها، فقد كان تتويجا لسلسة طويلة من الأحداث استمرت لأربعة شهور، فمنذ يوم 19 ديسمبر 2018، بدأت الاحتجاجات السلمية من مدينة عطبرة وانتقلت الى كافة مدن السودان، وذلكردا على تدهور حال البلد في كافة المستويات، فكان الواقع مراً، حيث كان هناك سحقاًللمعارضة، وتغول لأدوات القمعمن قبل الشرطة وجهاز الامن، وتدهوراً للأوضاع الاقتصادية، وسيطرة للحزب الواحد ورجال أعماله على مقدرات البلاد، وبعد ثلاثون عاما من الحكم أصبح فيها البشيرالحاكم بأمره، بدأ في إعداد العدة والخطط للاستمرار في الحكم، وهو ما كان القشة التي قصمت ظهر البعير.

ومع ولي بن عوف للمجلس العسكري الانتقالي تعهد "بانتقال سلمي" للسلطة، وإجراء انتخاباتخلال سنتين، إلا ان الشعب السوداني خرج مرة أخرى بأعداد متزايدة الى محيط القيادة العامة، معبرين عن رفضهم لأياًمن أوجه النظام، ورفعو شعار " تسقط تاني" حتى تحطمت أماله، وأعلن بعدها بساعات تخليه عن السلطة للفريق اول عبدالفتاح البرهان، لادارة الفترة الانتقالية.

وعلى الرغم من اظهار البرهان  قدراً كبيراً من الشفافية،عندما أكد أنه يحترم الثورة السودانية، وتعهده بقيام نظام حكم مدني لا ينفرد فيه العسكريون بالسلطة، وأن يكون الانتقال لهذا النظام سلمياً، إلا ان هذه التطمينات لم تكشف وضوح عن المستقبل الحقيقي للسودان بعد البشير، وما زالت هناك حيرة وإضطراب في رؤية الأمور، وعدم وضوح لمستقبل السودان خلال الفترة الانتقالية ومابعدها، والجميع يتساءل كيف سيكون مستقبل السودان في الفترة القادمة، لذلك سنحاول قراءة المشهد ونطرح كافة الإحتمالات المتوقعة لمستقبل السودان.


عودة النظام السابق:

هذا الاحتمال يمثل هاجس للكثير من السودانيين، فهم يرون أن هناك ثورة مضادة يجرى الإعداد لها من أجل إجهاض ثورتهم، وتمثلت في عدم سقوط أعمدة النظام السابق، والشعور بأن ما يحدث الان ما هو الا مسرحية يجرى تمثيلها على الشعب، وأن حكومة لمؤتمر الوطني مازالت موجودة، ومازالت تدين بالولاء للرئيس البشير، مما جع مشاعر الخوف ينتاب البعض من عودة النظام السابق للحكم في عباءة جديدة.

فاستقراء مستقبل السودان يحتّم علينا أن نستعين بدروس التاريخ، وأن نفهم كيف وصل هؤلاء للسلطة وكيف تعاملوا معها، فتاريخيا يعمل هذا النظام على فكرة المراجعات وضرورة تغيير قشرتهم كل فترة اذا ما لزم الأمر، ومع  سقوط نظام البشيرمؤخراً، عاد شريط الذكريات بنا الى الوراء وتحديدا الى فترة عام 1989، عندما وصل نظام جبهة الانقاذ الى الحكم بقيادةمؤسس الحركة الاسلامية بالسودان حسن الترابي، ففي تلك الفترة قاد بعض العسكريين انقابا في السودان بقيادة عمر البشير، وأوهموا الشعب والمجتمع الدولي بأن الإسلاميين وعلى رأسهم الترابي لاعلاقه لهم بهذا الانقلاب، وانهم متواجدونفي السجون مع بعض السياسيين، ليخرجوا بعد ايام قليلة، ويعلن الترابي انه هو من خطط لهذا الانقلاب، بأن يذهب البشير للقصر الجمهوري ويذهب هو الى السجن.

لذلك يظن البعض بأن ما يحدث الان في السودان هو نفس السيناريو، للوصول الى نهاية متشابهة، مع تغير الوجوه، ولان مبدأهم الغاية تبرر الوسيلة، فيتوقع اغلب من عاصر ذلك النظام بأن المؤتمر الوطني لن يستسلم، وأنه يعمل حاليا على اعادة وانتاج نفسه مرة أخرى، باعتبارانهم كرت سياسي احتق أمام الرأي العام وفي الحياة السياسية السودانية، وأنه لابد من استعادت الحم مرة أخرى بالطرق السلمية، وذلك بعد ان فشلوا في استعادته بالقوة الامنية.

لذلكفهم غير مهتمين بفكرة بقاء او إلغاء حزب المؤتمر الوطني، فهم يسعواقبل المتظاهرون الى ضرورة حل المؤتمر الوطني، لان ذلك الحزب بهذا المسمى من وجهة نظرهم لن يقدم شيئا في الانتخابات المقبلة، وان الضرورة تحتم عليهم ايجاد وانشاءكيانجديد، يستطيعوا من خلاله العودة مرة أخرى للسياسة والحكم، ونلاحظ ذلك في بيانهم الذي أعلن بعد سقوط البشير بيومين، والخاص بضرورة الافراج عن قيادات المؤتمر الوطني، وكأنهم يتسرعون للاصطدام سياسيا مع الشعب ليكسبوا خطوة مبكرة بإلغاء هذا الحزب، وفي ظني ان مقترح"قوى الحرية والتغيير " بتحديدهملمدة الفترة الانتقالية 4 سنوات، سيفشل مخطط هذا النظام، لان هذه الفترة ستكون كفيلة بأن يقضى على خططهم، ومحاسبةقياداتهم، واعضاءهم المتمكنينمن الدولة ومؤسساتها، لذلك مستبعد هذا السيناريو وفقا لمجريات الواقع.


سيطرة الجيش على الحكم:

بدأت العلاقة بين الشعب والمؤسسة العسكرية منذ 11 ابريل بمطالبة الجيش للوقوف مع الشعب ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير،وتحديدا مع تصاعد المظاهرات الشعبية الحاشدة والاشتباكات مع جهاز الامن والشرطة، ادى ذلك الى مخالفةصغار الضباط ومتوسطي الرتبفي القوات المسلحة،لأوامر قياداتهم، وذلكلتأمين وحماية المتظاهرين، وسرعان ما انتشرت مدرعات ودبابات الجيش في محيط القيادة، وسط ترحيب من المتظاهرون بالتهليل والترحيب، وسرعان ما تطور الأمر لهتافات رافضة لسياسات المجلس العسكري البطيئة، حيال قرارته ضد النظام السابق، وانتقال السلطة للمدنيين.

ويخشى البعض من سيطرة الجيش على الحكم، حيث يُتَّهَمبعض الضباط بالإنتماء للتيار الإسلامي، ومحاولاتهم للسيطرة على الأمورلحماية قادة النظام السابق،واتُهم البعض الآخر بالتحضير لانقلاب عسكري، بالرغم من تعهدات الجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية، إلا أنهم يرون أنه من الممكن أن يستولى الجيش على الحكم،خاص وان السودان تاريخيا شهد أربعة انقلابات عسكرية على حكومات مدنية منتخبة، ومن ابرز الشخصيات المتوقع محاولته للاستيلاء على السلطة السياسية هو قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الملقب بـ "حميدتي"، والذي يدير قوات شكّلت من أبناء القبائل، على نحو ربما يجعل ولاءها لشخصه،الا أنه يفتقد إلى التجربة والتاريخ السياسي والإيديولوجيا.

كما أن هناك مخاوف لدى المتظاهرون من محاولة الجيش لترشيح والدفع بأحد ضباط الجيش المتقاعدونفي الانتخابات القادمة،ويبدو ذلك مستبعداً في الوقت الراهن بسبب خبرة الشعب السوداني تاريخيا في العمليات الانتخابية واصرارهم بانشاء جمهورية مدنية، بالاضافة الىتعهدات الجيش والتزامه ورغبته في عدم إثارة الشعب مرة أخرى.


قيام جمهورية رئاسية:

يعد هذا النموذج هو الأقرب لطبيعة حكم السودانيين، الا ان  المشهد السياسي في السودان يتسم في وقته الراهن، باستقرارسياسي هش وهو نتيجة طبيعية لسياسة نظام البشير، التي عملت على شق الصف الوطني وخلق الخلاف والصراع بين الحزب الواحد وتقسيمه.

لذا،تأتي مقتضيات مرحلة الانتقال الديمقراطيمرهونة بتجليات مستقبلية،يعاد فيه رسم الخارة السياسية ومراجعة صيغ الائتلافات الراهنة باتجاه تشكيل تحالفات جديدة، وايجد صيغة توافقية للتعايش والحكم معا، تشمل توزيع المناصب وترتيب المواقف وتقريب وجهات النظر،مثل فكرة "اتفاق قومي" تضم أغلب الأحزاب الديمقراطية ، والأكاديميين، والخبراء،  بغية تقديم البدائل التي تحتاجها السودان لتحقيق تحول شامل يفتح أبواب الأمل أمام السودانيين، من أجل تعديل موازين القوى ومواجهة حزب المؤتمر الوطني الذي يُتوقع أن يخرج في الانتخابات القادمة قويا ومتجددا.

لذلك ينبغي على قوى "اعلان الحرية والتغيير" تقوية الجبهة الداخلية، وامتلاكهالرؤية واضحة من خلال إيجاد آلية سياسية وقانونية،تبني من خلالها جسور الثقة والتعاون بين كل الفاعلين السياسيين ولاقتصاديين والاجتماعيين ولا يستثني أحداً.

فالخيار الديمقراطي لابد ان يكون هدفا وطنيا استراتيجيا، وتكون المرجعية العليا في حكم البلاد ممثلة في الدستور، لتحمي بها الديمقراطية، من الطامعين للوصول للسلطة بطرق غير شرعية عبر الانقلابات العسكرية او غيرها، فلابد اننتجنب تكرار الاخطاء التاريخية من تجاربنا وتجارب الاخرين، فلا تقدم دون إثراء الوعي الديمقراطي لجميع الأحزاب والمواطنين، واعتبارالديمقراطية من الثوابت الاستراتيجية للوطن.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينك